لاالتي تدور حولها، ثمة في الأساس حركات عنصرية لا تريد مهاجرين، ولا تريد مسلمين أو عرباً هنا أو هناك. وقد جرت أكثر من محاولة لتنفيذ نوع من التطهير العرقي بحقهم في عدد من الدول. وما جرى من تحركات وأعمال عنف أعطى صورة عن المسلمين غير إيجابية بل برّر لبعض المتطرفين مواقفهم وسياساتهم المعادية للعرب والإسلام والمسلمين.
أما في الدول الإسلامية، فإن الخاسر كان الإسلام والمسلمين. لأن الصور التي تبثها وسائل الإعلام المحلية والعالمية لم تكن إيجابية. بل أعطت فكرة عن الميل نحو العنف والرفض والتطرف والتعصـّب. والتدمير الذي حصل في عدد من العواصم أصاب أبنية عامة وخاصة يملكها مسلمون وتستثمرها شركات يديرها مسلمون أيضاً، وبالتالي فإن الخسائر كانت على أرض المسلمين ولحقت بالمسلمين. كذلك فإن الضحايا البشرية التي سقطت كانت من صفوف المسلمين سواء أكانوا مواطنين أم رجال أمن هنا وهناك. ولم يصب الرسام الكاريكاتوري في الدانمرك أو حكومة الدانمرك بأذى مباشر من هذه الأعمال. بل على العكس من ذلك. فإن الرسامين وفـّرت لهم الحماية. والحكومة الدانمركية لم تعتذر. والإساءة المعنوية التي لحقت بها كبيرة لكنها لا توازي ما خسرناه نحن في النهاية. وبالتالي كان يمكن التعبير عن الرفض والغضب بمظاهرات سلمية تعبيرية في العمق، و بإجراء طوعي يوجه رسالة إلى من وجه إساءات إلى المسلمين. مع العلم بأن الاقتصاد الدانمركي ليس منفصلاً اليوم عن الاقتصاد الأوروبي خصوصاً والعالمي عموماً بمعنى أن التضامن الأوروبي الذي حصل مع الدانمرك يمكن أن ينعكس علينا في هذا المجال وعلى مصالحنا، وبالتالي لابد من تقييم دقيق لأي خطوة يمكن الإقدام عليها لاحقاً.
لكن ما حصل في العراق، وتحديداً في سامراء من تدمير لقبة مسجد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري يضيف بمخاطره إلى ما أقدم عليه رسامو الكاريكاتير. بل ساهم في إعطاء صورة بشعة عن المسلمين وأصحاب بعض الأفكار المدافعة نظرياً عن الإسلام، وترك انعكاسات سلبية خطيرة على العلاقات بين المسلمين أنفسهم ومخاطر مستقبلية على مصالحهم، تجاوزت أيضاً الانعكاسات السلبية التي أثارتها الرسوم المسيئة للرسول على مستوى العلاقات الإسلامية- الغربية، أو على مستوى مصالح المسلمين ودولهم في داخلها ومع العالم.
لقد احتل الخبر الأولوية في كل وسائل الإعلام. تقدم على غيره من الأخبار إلى حد جعل العالم يهتم به ويتجاوز الخبر الأول السابق. كذلك فإن أسئلة كثيرة راحت تطرح على ألسنة محللين ومعلقين هنا وهناك تقول: إذا كان المسلمون يتعاملون مع بعضهم بعضاً بهذه الطريقة، ويهددون مقدساتهم ويسيئون إليها فكيف يكون تعاملهم مع الآخرين، وكيف يمكن الاطمئنان إليهم خصوصاً إلى هذه الفئة منهم التــي تعمم "الشر" و"الكفر" و"التطرف" و"الغضب" "والعنصرية" وتمارس التطهير العرقي ضد أبناء دينها؟
نعم سمعنا الكثير من هذا الكلام واعتمد عليه كثيرون لتبرير أفعالهم ضد المسلمين مجتمعين، فهل لنا مصلحة في ذلك؟ وبالتأكيد سمعنا كلاماً ومواقف من قادة مسلمين عراقيين وغير عراقيين استنكرت ورفضت ما جرى وحذرت من مخاطر النهج وبالتالي لا يمكن اتهام الإسلام وكل المسلمين بهذه الممارسات لكن ذلك لا يسقط الإساءة التي لحقت بهم.
إن ثمة خطراً كبيراً يهدد بلادنا ومصالحنا، ومصدره بعض القوى التي تعتبر أنها تدافع عن الإسلام وهذه المصالح، وهذا أمر ينبغي التنبه إليه. لاسيما وأن ثمة من يحاول نقل هذه العدوى إلى عدد من الدول ومنها لبنان بالتأكيد، في ظل ما يعانيه من أزمات ومشاكل. لبنان الذي يتطلع فيه اللبنانيون إلى تغيير في القمة –أي في موقع الرئاسة– كي لا تسقط القبة على رؤوس الجميع، ولتبدأ مسيرة التغيير الحقيقي فيه على كل المستويات وفي كل المؤسسات، بما يصون وحدته وأمنه واستقراره، هذا اللبنان الذي كوته إساءات الواقع الذي يعيشه منذ سنوات، يستحق التغيير وبدء مسيرة التحديث والتطوير، ليكرس دوره وطن الرسالة، رسالة التفاعل بين الثقافات والحضارات.