ربما يكون من باب المصادفة أن يتواكب التوقيع على اتفاق إنشاء فرع لجامعة "السوربون" الفرنسية في أبوظبي، مع صدور نتائج دراسة بريطانية تشير إلى أنه رغم هيمنة اللغة الإنجليزية كلغة أولى في العالم، فإن خريجي الجامعات الذين يتحدثون الإنجليزية فقط "يواجهون مستقبلا اقتصاديا مظلما"، مع تدفق المنافسين ممن يجيدون أكثر من لغة على سوق العمل من مختلف أرجاء المعمورة، حيث يشير الخبراء إلى أن الميزة التنافسية للتحدث بالإنجليزية فقط آخذة في الزوال، فحالما يتحدث الجميع الإنجليزية يمكن فقط الحفاظ على التفوق عن طريق امتلاك ميزة ومهارات أخرى مثل التحدث بلغة أجنبية ثانية كالفرنسية مثلا. ولذا يحذّر هؤلاء الخبراء من خطورة تكريس التعليم أحادي اللغة على التطور الاقتصادي.
هذه النتائج التي ظهرت بالتزامن مع توقيع اتفاق إنشاء فرع "السوربون" في أبوظبي هي واحدة من الإيجابيات والمردود المستقبلي الذي ننتظره من هذه الخطوة المهمة، ولكنها بالطبع ليست الإيجابية الوحيدة، فالاتفاق بحد ذاته نقلة نوعية وامتداد طبيعي يترجم عمق العلاقات الإماراتية- الفرنسية، فهي تعكس قناعة الغرب بأجواء الانفتاح الثقافي، التي تتمتع بها دولة الإمارات، وتعكس بالمقابل حرص الإمارات على تطوير أدواتها الثقافية للتواصل مع العالم، ولذا اختيرت أبوظبي كمقر لفرع هذه الجامعة الفرنسية العريقة، في مشروع هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط والعالم الذي تطلقه "السوربون"، ويمثل -حسب رئيس الجامعة جان روبار بيت- "تحديا استثنائيا" بما يوفره من فرص رائعة للتبادل الثقافي.
وإلى جانب أن وجود "السوربون" في أبوظبي هو إضافة نوعية قيّمة للجامعات الأجنبية التي سبقت بإنشاء فروع لها في دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي، ومع الأخذ بالاعتبار الدور الحيوي الذي تؤديه الجامعات الإماراتية القائمة، فإن إنشاء فرع لـ"السوربون" في أبوظبي يعد تطورا هائلا في التواصل مع الثقافة الفرانكفونية، في منطقة عُرفت بسيطرة شبه حصرية للجامعات الأجنبية التي تدرس علومها باللغة الإنجليزية، فهي خطوة تضيف بعدا للعلاقات الإماراتية- الفرنسية، وتصبّ في اتجاه تقارب الحضارات وتحاورها، في وقت تبدو فيه أمتنا الإسلامية بحاجة ملحّة إلى الانفتاح على حضارات الغرب ومد جسور التواصل مع الآخر لنقل صورتنا الحقيقية والتعريف بهويتنا الحضارية كبديل عملي للتصدي لموجات الإساءة وسوء الإدراك التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى. فالقنوات التعليمية والثقافية وحوارات الأجيال هي القنوات المثالية للتعاون بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان من أجل بلورة صيغة تفاهم أفضل.
وإلى جانب ما سبق كله، فإن وجود "السوربون" في أبوظبي يعني أننا على موعد مع جيل جديد قادر على التواصل مع الثقافة الفرانكفونية العريقة، ويعني أننا سننقل تجربة إحدى أعرق جامعات العالم، في وقت نسعى فيه إلى تطوير مؤسساتنا التعليمية كي تضاهي نظيراتها في دول العالم المتقدم. إن اتفاق إنشاء فرع لـ"السوربون" في أبوظبي هو لبِنة جديدة في جدار العلاقات الإماراتية- الفرنسية، وهو بُعد نوعي يميز الشراكة بين البلدين الصديقين، وأهميته نابعة بالأساس من كونه موجهاً في جوهره إلى تنمية الإنسان الذي يحتلّ صدارة الأولويات ضمن أجندة صانعي القرار في دولة الإمارات