عندما لقي الدبلوماسي الكندي "جلين بيري" مصرعه على أيدي مهاجم انتحاري في أفغانستان الشهر الماضي، نظر الكثيرون هنا إلى ذلك الحادث على أنه علامة شؤم تنذر بسفك المزيد من الدماء. ومن المعروف أن كندا التي بقيت خارج حرب العراق، تقوم الآن بتعزيز قواتها من أجل حراسة أكثر المناطق خطورة في أفغانستان، ولاستلام قيادة قوة تابعة لـ"الناتو" يبلغ قوامها 6000 فرد، نظرا لقيام الولايات المتحدة بنقل المزيد من المسؤوليات القتالية إلى حلفائها.
وتأتي عملية تسليم المسؤولية هذه، عقب زيادة عدد العمليات التي تتم في أفغانستان باستخدام الأساليب المطبقة في العراق مثل العبوات الناسفة، والكمائن والهجمات الانتحارية. والقادة العسكريون والسياسيون هنا يخشون ألا يكون الرأي العام الكندي، الذي يشعر بالامتعاض من أميركا وحرب إدارة بوش على الإرهاب، مستعداً -من الناحية النفسية- لتقبل حدوث خسائر في قواته.
علاوة على ذلك، فإن البعض يتنبأ بأن اضطلاع كندا بدور أكبر في أفغانستان، يمكن أن يتسبب في وقوع هجمات على الأرض الكندية ذاتها كما حدث في مدريد ولندن. وفي هذا السياق، يقول "جون واطسون" رئيس وكالة "كير– كندا" للإغاثة التي تعمل في أفغانستان منذ عام 1961: "أعتقد أن الرأي العام الكندي لم يستوعب بعد الكيفية التي تغير بها العالم، وأخشى أن أقول إن هناك احتمالاً كبيراً لتعرض قواتنا لخسائر ضخمة... كما أن هناك احتمالاً لتعرضنا لهجوم داخل كندا ذاتها. والفارق بيننا وبين الولايات المتحدة وبريطانيا هو أن الظروف لم تضطرنا للتعامل مع هذا النوع من الحوادث لما يزيد على 40 عاما".
وقد شرع القادة العسكريون الكنديون في تصعيد حدة خطابهم، وذلك في إطار حملة لتهيئة الرأي العام الكندي لهذا الأمر. فعلى سبيل المثال وصف الجنرال "ريك هيليير" رئيس هيئة أركان الدفاع الكندي مقاتلي "طالبان" في أفغانستان بأنهم "قتلة بغيضون"، وهي لهجة خطاب تعتبر وقحة بالنسبة للكنديين في الظروف العادية.
وكان "هيليير" قد قال لي الخميس الماضي: "هذه مهمة خطرة. هناك عدو، كما أننا تعرضنا لخسائر، ولكن ما نريد تحقيقه هناك يستحق أن نضحي من أجله، والأشياء التي تستحق أن نقوم بها تكون خطرة في بعض الأحيان".
البعض ينظر إلى هذا الأمر باعتباره تغيراً في الطريقة التي كان يتم بها استخدام القوات المسلحة الكندية. فمنذ الحرب الكورية كان عادة ما يتم نشر القوات الكندية في إطار مهمات تقليدية لحفظ السلام. ولذلك ظلت كندا بعيدة عن حرب فيتنام، ولم تلعب سوى دور إسنادي في حرب الخليج الأولى.
على الرغم من ذلك يرى "جويل سوكولسكي" الأستاذ بالكلية العسكرية الملكية في كينجستون أنه سيكون ثمة دعم شعبي للمهمة الكندية "طالما كانت الحكومة واضحة بشأن طبيعة هذه المهمة حيث يجب عليها أن تبين منذ البداية أن هذه المهمة لم تعد مهمة لحفظ السلام وإنما هي مزيج من مواجهة التمرد وإعادة البناء".
على الرغم من ذلك "لم تكن هناك مناقشة برلمانية ذات شأن حول هذا الموضوع ولا زالت أفغانستان بعيدة عن شاشة رادار الشعب الكندي" على حد قول "نوثفيلد" محرر الشؤون الخارجية بصحيفة "جلوب آند ميل" الكندية.
يذكر أن مصرع "جلين بيري" البالغ من العمر 59 سنة، وهو موظف سياسي كان يعمل في مشروع لإعادة الإعمار في أفغانستان، كان قد بدأ ينقل الشعور بالخطر للوطن. وكان "بيري" أول دبلوماسي كندي يلقى مصرعه في الخارج على مدى 40 عاماً، وقد تعرض ثلاثة جنود كانوا برفقته لجراح بالغة، عندما قام مهاجم انتحاري بتفجير نفسه في قافلتهم العسكرية بالقرب من مدينة "قندهار" في الخامس عشر من يناير الماضي، في هجوم أعلنت "طالبان" مسؤوليتها عنه.
وكانت كندا قد قامت بنشر بعض القوات في أفغانستان منذ فبراير 2002، ولكن عدد هذه القوات سيرتفع من 900 إلى 2200 جندي بنهاية فبراير الحالي، كما أن هذه القوات قامت بالتحرك بالفعل من قاعدتها في العاصمة كابول إلى مدينة قندهار التي لا تزال منطقة تحظى فيها "طالبان" بنفوذ كبير وتشهد هجمات متكررة من قبل المتمردين. ويذكر أن قندهار وجنوب أفغانستان قد أصبحا أكثر خطورة من ذي قبل، بعد أن قام المتمردون الأفغان بنقل الأساليب المستخدمة في العراق ومنها الهجمات الانتحارية إلى هناك.
وقال هيليارد، وهو أحد الضباط الذين خدموا في أفغانستان عام 2004: "إنهم يقلدون التكتيكات المتبعة في العراق لأن التكتيكات التي كانوا يتبعونها خلال السنتين أو الثلاث سنوات الماضية لم تكن فعالة، وهم يريدون تحقيق بعض التقدم في التصدي للجيش الأفغاني والحكومة الأفغانية". ويضيف هيليارد: "إن هدفنا النهائي هو مساعدة الأفغان على إعادة بناء عائلاتهم بحيث تقوم هذه العائلات بدورها بإعادة بناء مجتمعاتها". ويردد قائده على الأرض الجنرال "فريزر" صدى هذا الرأي، عندما يشير إلى أن العناصر الرئيسية الثلاثة التي تركز عليها القوات الكندية في أفغانستان حالياً هي الدفاع والتنمية والدبلوماسية.
ولكن "واطسون" الذي كانت وكالت