ظهر مصطلح التنوع الحيوي (biodiversity) للمرة الأولى عام 1986، ضمن فعاليات ندوة علمية عقدها المجلس الوطني للأبحاث في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، وجد هذا المفهوم قبولاً واسعاً، واستخداماً شائعاً، من قبل علماء الأحياء، والمدافعين عن البيئة، والسياسيين والاقتصاديين. هذا القبول والتقبل، ترافق مع انتشار القلق العالمي حول الزيادة المتسارعة في معدلات انقراض الأنواع المختلفة خلال العقود الأخيرة. وكي نفهم سبب هذا الاهتمام الواسع بهذا المصطلح –أو بالأحرى المفهوم- يجب أن نتوقف قليلاً عند الجوانب المهمة من الحياة الطبيعية والإنسانية التي تؤثر وتتأثر بالتنوع الحيوي، لكن لا يوجد تعريف محدد ومتفق عليه حول مصطلح "التنوع الحيوي". فمن ضمن تعريفاته التي تلقى قبولاً إلى حد كبير، هو ذلك الذي ينص على أنه: مقياس للتنوع النسبي للكائنات الحية الموجودة في النظم البيئية المختلفة. وحسب هذا التعريف، يشير التنوع هنا إلى التنوع بين أجناس الحيوانات المختلفة، وداخل الجنس الواحد، بالإضافة إلى مقدار التنوع والاختلاف بين البيئات الطبيعية المختلفة والمتباينة.
التعريف الآخر للتنوع الحيوي، والذي رغم بساطته وسهولته يمثل تحدياً فكرياً، هو الناص على أن التنوع الحيوي هو: المحصلة المجموعية للجينات الوراثية، وللأنواع، وللبيئات الطبيعية، في منطقة ما. يتميز هذا التعريف بقدرته على تقسيم التنوع الحيوي إلى أقسامه الثلاثة الرئيسية: الوراثي، والنوعي، والبيئي. القسم الوراثي، يشير إلى مقدار التنوع والاختلاف في الجينات داخل الجنس الواحد، والذي يظهر نفسه في شكل الاختلافات الفردية داخل جنس النبات أو الحيوان الواحد. القسم النوعي يشير إلى عدد الأنواع المختلفة الموجودة داخل النظم البيئية المتباينة. أما القسم الثالث أو القسم البيئي، فيشير إلى مدى التعدد والتنوع في النظم البيئية الموجودة داخل منطقة جغرافية محددة، ثم على سطح كوكب الأرض بوجه عام. فمثلاً في مساحة الأرض المزروعة بالأرز أو بالقمح، ينخفض مقدار التنوع الحيوي، لأن شكل الحياة الموجود بها هو فقط نبات الأرز أو القمح. بينما في الغابة مثلاً وفي مساحة مقاربة لحجم حقل الأرز السابق، توجد العشرات وربما المئات من أنواع وأصناف وأجناس النباتات المختلفة. وينطبق هذا المفهوم أيضاً على الحيوانات، ففي مزارع الدواجن يوجد نوع واحد من الطيور، بينما في المساحة نفسها من غابة أو محمية طبيعية، نجد عشرات ومئات من أنواع الطيور المختلفة. أي أن التنوع الحيوي ببساطة هو وجود أشكال عديدة من الحياة، بصورها المختلفة من نباتات وحيوانات وكائنات مجهرية.
وبغض النظر عن الاختلافات في التعاريف الرامية إلى تفسير مفهوم التنوع الحيوي، تظل الحقيقة الأساسية هي أن التنوع في أشكال الحياة، قد ساهم مساهمات أساسية في بقاء وتطور المجتمعات البشرية. هذا في الوقت الذي أثرت أيضا فيه نشاطات تلك المجتمعات على مقدار التنوع الحيوي في بيئتها المحيطة، سواء على المستوى الوراثي أو النوعي أو البيئي. هذه العلاقة المتبادلة بين الكائنات الحية ومسيرة الجنس البشري، يمكن ردها لأربع قيم -أو أدوار- رئيسية لعبها التنوع الحيوي في الحياة اليومية للبشر، أولاها القيمة البيئية، وتتلخص في حقيقة أن جميع الكائنات الحية الموجودة في نظام بيئي ما، تؤدي وظيفة محددة، يعتمد عليها النظام البيئي برمته في توازنه واستمراره. فالكائنات الحية يمكنها مثلاً اختزان الطاقة، وإنتاج المواد العضوية، أو تحليل المواد العضوية الناتجة من نشاطات كائنات أخرى تشاطرها نفس النظام البيئي. بالإضافة إلى قدرة تلك الكائنات على إعادة تدوير المصادر الطبيعية من مياه ومواد مغذية، وتثبيت الغازات الجوية، والقضاء على الآفات التي قد تصيب بيئتها، وأحياناً حتى تنظيم المناخ العام. القيمة الثانية أو القيمة الاقتصادية التي يضيفها التنوع الحيوي على صعيد دعم المجتمعات البشرية، تظهر في شكل توفير مصادر متنوعة من النباتات والحيوانات، يخدم كل منها هدفا بشريا أو يحقق غرضا إنسانيا. في هذا المنظور، يمكننا اعتبار اختلاف وتعدد المحاصيل الزراعية التي يقوم الإنسان بإنتاجها، نوعاً من أنواع التنوع الحيوي، المعروف بتنوع المحاصيل. فحاجات الإنسان الضرورية من الدهون، والكربوهيدرات، والبروتينات، والأملاح، والمعادن، والفيتامينات، وغيرها من العناصر الغذائية، لا يمكن تلبيتها جميعاً من خلال الاعتماد على مصادر غذائية محدودة التنوع. هذا بالإضافة إلى أن كثيرين ينظرون إلى هذا التنوع على أنه مخزون من المصادر الفريدة، القابلة للاستغلال في العديد من النشاطات الاقتصادية كصناعة الغذاء والأدوية والعقاقير، وحتى صناعة مستحضرات التجميل. هذه النظرة بالتحديد هي السبب الرئيسي خلف تزايد المخاوف من استهلاك الأنواع الحية، وما سيعنيه ذلك من أثر سلبي على صناعات مختلفة، تمثل عماد الاقتصاد في العديد من المجتمعات. أما القيمة الثالثة، فهي أخلاقية فلسفية مجردة؛ ففي نظرة الفلاسفة الب