يظهر في عدد من الشهادات الإضافية التي أدلى بها مؤخراً مسؤولون حكوميون أميركيون حاليون وسابقون، إلى جانب تحقيقات أجريت حول الموضوع، أن إدارة الرئيس الأميركي بوش تلاعبت بالمعلومات وشنت حملة دعائية مضللة بهدف حشد الدعم لحرب العراق. ففي إطار تحقيق أجرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مؤخراً، ظهرت وثائق تفيد باستغلال إدارة بوش لمصدر معلومات مشكوك في أمره، قدمته على أنه تبرير موثوق كافٍ لخوض الحرب.
ومصدر المعلومات هذا، واتفق على تسميته "كورفبول"، مهندس عراقي طلب اللجوء السياسي في ألمانيا، وأخبر المخابرات الألمانية بأنه يعرف مكان شاحنات الأسلحة البيولوجية في العراق. غير أن مدير فرع "السي آي أيه" في برلين كتب يقول: إن مسؤولي المخابرات الألمانية المكلفين بملف "كورفبول" "لم يستطيعوا التحقق" من مزاعمه. كما كتب أحد موظفي "السي آي أيه" الذي التقى بـ"كورفبول" في ألمانيا أوائل 2003 إلى رئيسه مشككاً في صحة المعلومات التي أدلى بها هذا الرجل.
إلا أن هذا الرئيس، وهو نائب رئيس لجنة "السي آي أيه" المكلفة بالعراق، رد على مرؤوسه يقول "ستندلع هذه الحرب بغض النظر عما قاله "كورفبول" أو لم يقله، والسلطات ربما ليست مهتمة كثيراً بما إذا كان "كورفبول" يعرف ماذا يقول" (واشنطن بوست، 10 يوليو 2004). وبعيد أيام على ذلك، قدم وزير الخارجية وقتها كولن باول في عرضه بالأمم المتحدة في فبراير 2003 مزاعم "كوفبول" على أنها "أدلة قاطعة".
وقد ذهل المكلفون بملف "كورفبول" من الألمان عندما "حرف" باول أقوال "كورفبول". ولم يخف أحد المسؤولين الألمان "صدمته" قائلاً: "لقد كنا دائما نقول لهم إن الأمر لم تثبت صحته بعد". ثم إن جميع مصادر "كورفبول" الثلاثة "تبين أنها ليست سوى خداع"، إلا أن "السي آي أيه" كانت مصرة على تصديق قصة "كورفبول"، و"عاقبت المنتقدين من الوكالة ممن قدموا أدلة تفيد بكذب كورفبول".
وكان تقرير استخباراتي صدر في أكتوبر 2002 حذر بـ"ثقة عالية" من أن العراق "قد أقام على نطاق واسع" منشآت لإنتاج الأسلحة البيولوجية. وقد استند هذا التحذير، الذي تم بعثه إلى الكونغرس قبيل أيام من التصويت عليه لتأييد غزو العراق، "بشكل كبير إلى معلومات مستقاة من مصدر وحيد، ألا وهو كورفبول".
ومن جانبه، تجاهل البيت الأبيض معلومات ودلائل تفيد بعكس الرواية التي قدمها "كورفبول"، حيث أعلن "سكوت ريتر"، رئيس فرق التفتيش الأممية من 1991 إلى 1998، مثلاً في أكثر من مناسبة أن نظام التفتيش عن الأسلحة قد أتلف الأسلحة المحظورة في العراق (بوسطن غلوب، 20يوليو 2002). وأصبح "ريتر" فيما بعد مقتنعاً بأن بوش "كان يكذب على الشعب الأميركي لإقناعه بضرورة الذهاب إلى الحرب" (مجلة تايم، 13 سبتمبر 2002).
وفي السابع من مارس 2003، أخبر رئيس مفتشي الأسلحة الأمميين "هانس بليكس" مجلس الأمن الدولي بأن فريقه قام بتفتيش المواقع التي أشار إليها "كورفبول"، ولكنه "لم يجد دليلاً واحداً" على وجود منشآت متحركة لإنتاج الأسلحة البيولوجية في العراق. ولكن سيتم غض الطرف على هذا الأمر كذلك لتعلن الحرب بعد ذلك بأسبوعين.
وبعد غزو العراق، شكلت "السي آي أيه" في يونيو 2003 فريقاً أنيطت به مهمة القيام بالبحث عن الأسلحة المحظورة، كما شكلت وحدة خاصة كلفت بإجراء تحقيق حول "كورفبول" نفسه، وسرعان ما تمكنت الوحدة من العثور على الملف الشخصي لـ"كورفبول" في أحد المباني الحكومية. وقد أكد ملف "كورفبول" أنه كان يكذب طوال الوقت، حيث تبين أنه كان مهندساً متدرباً، وليس مدير مشاريع أو مدير موقع كما ادعت "السي آي أيه". وفي الفترة التي زعم "كورفبول" أنه بدأ فيها العمل على شاحنات الأسلحة البيولوجية، تبين أنه تم طرده من العمل، وسجن بعد ذلك بسبب جريمة جنسية، ثم انتهى به الأمر بعد ذلك إلى العمل كسائق سيارة أجرة في بغداد.
في كتابه "ذريعة لخوض الحرب"، قام الصحفي المحقق "جيمس بامفورد" بتحليل الادعاءات المختلفة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، واستنتج أنها لم تكن سوى ذريعة لخوض حرب خططت لها مجموعة صغيرة من "المحافظين الجدد" المؤيدين لمخططات إسرائيل في المنطقة وتوسيع النفوذ العسكري الأميركي إلى الشرق الأوسط.