يجب أن تكون "رجلا بمعنى الكلمة" هكذا كان يقوله لي والداي.. وهذا ما حاولت دائما أن أكونه. ولكن لأشخاص الذين يحكمون أميركا حاليا ليسوا "رجالاً بمعنى الكلمة" في رأيي لأن الرجل بمعنى الكلمة هو الرجل الذي يتسم بالشجاعة في تحمل المسؤولية عن أفعاله.
ومن بين هؤلاء "ديك تشيني"، لأنه بذل مؤخراً محاولات عديدة لتحويل قضية إطلاق النار على زميله في الصيد "هاري ويتينجتون" إلى مسرحية هزلية، الفصل الأخير فيها أن يقوم الرجل الذي كان ضحية استهتاره بالاعتذار له عن إصابته. تذكروا أن تشيني بالذات، وربما أكثر من أي مسؤول أميركي آخر، هو الذي ضللنا وزج بنا في حرب العراق. وبعد ذلك، وعندما لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل وثبت أن العراق ليست له علاقة بتنظيم "القاعدة"، قام تشيني بإلقاء اللوم على أجهزة الاستخبارات التي أجبرها هو نفسه على تضخيم التهديد الذي كان يمثله صدام حسين.
و"دونالد رامسفيلد" هو الآخر "ليس رجلا بمعنى الكلمة"؛ فقبل الحرب قام بإسكات الجنرالات الذين اشتكوا بأن القوات المسلحة الأميركية تذهب إلى العراق بقوات أقل كثيراً مما يجب، كما قام أيضاً بتهميش خبراء وزارة الخارجية الذين قالوا إننا بحاجة إلى خطة لمواجهة فترة ما بعد انتهاء الحرب. وعندما بدأت الحرب تخرج عن مسارها المتوقع، بدأ رامسفيلد في الحديث عن العوامل "المجاهيل" التي كانت "مجهولة" بالنسبة لنا، أو أننا اضطررنا إلى الذهاب إلى الحرب بـ"القوات التي كانت متاحة لدينا"، وما إلى ذلك من هراء، ثم راح يتهرب من المسؤولية عن الأخطاء الفادحة في القيادة، التي حولت الحرب إلى نصر مذهل ليس لنا ولكن "لإيران".
و"مايكل شيرتوف" وزير الأمن الداخلي "ليس رجلاً بمعنى الكلمة". تذكروا رد فعله عن الاستجابة للإعصار الذي أغرق "نيوأورليانز"، وكيف ادعى أنه فوجئ بما حدث، ثم تبين لنا الآن أنه تلقى العديد من الإنذارات قبل وقوع الكارثة وفي المراحل المبكرة منها ولكنه تجاهلها.
و"مايكل ليفيت" وزير الصحة والخدمات الإنسانية هو الآخر "ليس رجلاً بمعنى الكلمة". فهو يصر على أن البداية الكارثية لخطة صرف الأدوية في المستشفيات ليس لها مردود سيئ على وزارته، وأننا يجب أن نعرف أنه لا يمكن إجراء تغيير واسع النطاق دون التعرض لبعض المشكلات. في حين أن الحقيقة هي أنه تجاهل آراء الخبراء بشأن الكيفية، التي يجب أن تمضي بها هذه الخطة، والذين حذروه منذ عدة شهور من الوضع الكارثي الذي تمر به وزارته في الوقت الراهن. أستطيع أن أذكر العديد من الأمثلة التي تثبت أن الكثيرين من مسؤولي هذه الإدارة، ليسوا رجالاً بمعنى الكلمة. فهم لا يتحملون المسؤولية عن أعمالهم، وعندما يحدث خطأ ما يقومون بتحميله لشخص آخر.
هل كان الأمر دائما على هذا النحو؟ أنا لا أريد أن أضفى الصبغة الرومانسية على تاريخنا السياسي فأصوره في صورة وردية، ولكن إجابتي على السؤال هو أن الأمر لم يكن كذلك. ما علينا سوى أن نتذكر شخصيات مثل الرئيس "دوايت إيزنهاور" الذي كتب رسالة قبل يوم انطلاق العمليات الأميركية الحربية في أوروبا يعلن فيه أنه سيتحمل المسؤولية إذا ما فشل إنزال تلك القوات في حين أن نظيره الحالي (بوش) كان سيصر على أن الإنزال قد حقق نجاحا "كارثياً"، وبعد ذلك كان سيعمد إلى وضع اللوم في الفشل على افتتاحية "نيويورك تايمز"!
والسؤال الآن: أين ذهب ذلك الصنف من الرجال الذي يطلق عليه "رجال بمعنى الكلمة"؟ لا أدرى. ولكن ما أستطيع قوله هو أن شخصية رجال الإدارة هي انعكاس لشخصية الرجل الذي يرأسها. فبوش عجز عن الاعتراف بالأخطاء أو تحمل المسؤولية عن الفشل بصورة تكاد تصل إلى درجة مَرَضية.
فهو يحيط نفسه بمجموعة من المساعدين الذين يشاطرونه نفوره من مواجهة الحقائق غير السارة. وطالما ظل هؤلاء المساعدون على ولائهم له فإنه يظل يدافع عن أدائهم حتى لو كان هذا الأداء سيئاً. فقيامه بشيء غير ذلك، يعني أنه قد أساء الاختيار من البداية وهو ليس مستعداً للاعتراف بذلك.
ليس هناك من شك في أن الجوهر البائس لشخصيات قادتنا له عواقب مخيفة. وليس هناك من شيء مثل بؤس هذا المحتوى، يمكن أن يفسر لنا الكوارث السياسية التي تعرضنا لها في السنوات الأخيرة، سواء في العراق أو في مواجهة كاترينا أو في خطة صرف الأدوية للمرضى في المستشفيات أو في غير ذلك.
وأخطر ما في الأمر أن تلك الشخصيات المفتقدة إلى الشهامة الحقة التي تحكم أميركا الآن تقوم بتدمير وضعنا الأخلاقي. فقد عرفنا من تقرير نشر مؤخراً في مجلة "ناشيونال جورنال" أننا لا زلنا نحتفظ بالعديد من السجناء في "غوانتانامو" على الرغم من عدم وجود أدلة دامغة ضدهم. ومع ذلك، فإن الإدارة لم تفرج عن هؤلاء السجناء.. لماذا؟ لأن قيامها بالإفراج عنهم معناه الاعتراف بأن سجنهم منذ البداية كان خطأ. والاعتراف كما تعرفون ليس من شيم تلك الشخصيات التي تدير أميركا في الوقت الراهن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة" نيويورك تايمز"