قرأت -منذ أسبوعين- في هذه الصفحة مقالا يستعرض دراسة إحصائية لباحثين خليجيين حول "اتجاهات الشباب في دول مجلس التعاون" وكانت النتيجة المثيرة لي أنه رغم ارتفاع مستوى التفاؤل العام لدى الشباب الخليجي -هناك فروق بين دولة وأخرى- فقد سجل شباب الإمارات النسبة الأعلى بين المتفائلين وهي 94% (متفائلون ومتفائلون جدا) وأرجعت الدراسة سبب تلك النسبة إلى الاستقرار الاقتصادي الذي دفع بالدولة أن تصمد أمام العديد من التحديات التي مرت على دول المنطقة وعلى العالم، مما دفع بالشباب الإماراتي لأن يكونوا أكثر اطمئنانا من غيرهم من شباب الخليج وأقل تشاؤما من المستقبل، كما أن الصعوبات الاقتصادية وأقصد مشكلة البطالة تحديدا التي ترزح تحتها دول الخليج الأخرى هي التي دفعت بدولة مثل البحرين ليسجل شبابها تشاؤما مرتفعا.
وفي المقابل، نحن في دولة الإمارات بحاجة لأن نتبين ما نشرته إحدى الصحف المحلية في اليوم التالي (6/2/2006) لتلك المقالة من إحصائيات لأرقام ممن تقدموا إلى هيئة تنمية وتطوير الموارد البشرية "تنمية" حتى نهاية العام الماضي 2005 حيث سجل الرقم حوالي 34 ألف مواطن عاطل عن العمل معظمهم من إماراتي أبوظبي ودبي وهي على التوالي (11727 و 7714) وهي أرقام حقيقية -ليس من بينهم من يبحثون عن فرص عمل أفضل- للبطالة منهم من يحمل شهادة الدكتوراه والماجستير، وهذا ما يدعونا إلى رسم علامات استفهام كثيرة ووضع تساؤلات حول الوضع الذي سيكون عليه هؤلاء المتفائلون عندما يتخرجـــون.
-العينة التي أجريت عليها الدراسة ما بين 15 إلى 25 سنة ولا زالوا طلابا- ويكونون ضمن الباحثين عن العمل، فالأفضل ألا تدعو نسبة التفاؤل 94% التي سجلتها الدراسة المسؤولين لدينا إلى التهوين من شأن مشكلة البطالة التي تتزايد مع مرور الوقت.
نتيجة الدراسة (التفاؤل) هي مصدر فخر لنا جميعا في الإمارات وهي تأكيد على أن الإمارات نموذج للرفاهة الاقتصادية إلا أنها قد تكون جرس إنذار لمدى صدق النتيجة فالعينة لم تقس مجتمع الإمارات بشكل كامل ولو أجرينا تلك الدراسة على العينة الموجودة في هيئة "تنمية" باعتبارها الجانب المقابل فهل نتوقع النتيجة نفسها أو نتيجة قريبة منها رغم أن المتغير الاقتصادي لدولة الإمارات كما هو عليه، أعتقد أن الأمر لن يكون كذلك!!. رسالتي هنا إعطاء المزيد من الاهتمام لمسألة البطالة بين الشباب الإماراتي فهو الهم الأساسي ومصدر قلق وعدم الانتباه له قد يؤدي لأن يقلب ذلك الجزء من التفاؤل رأسا على عقب.
إن نسبة التفاؤل مقابل أرقام البطالة، تجعلنا نقف أمامها لنفهم مغزى هذا التناقض في دلالات الأرقام، إذ أن العينة المختارة لا زالت بعيدة عن تحمل المسؤولية ولا زالت التزاماتها المادية مرتبطة بأسرتها، وهو أمر لا يمكن معه معرفة حقيقة النتائج. وما يجعلني أشعر ببعض القلق من تلك النتيجة أنه في حال طبقت تلك الدراسة على المقيدين في سجلات التنمية وهم شباب أيضا أو أعيد تطبيق الدراسة عليهم بعد أن يتخرجوا من الجامعة إلى العمل لا أدري إن كانت ستبقى نتيجة التفاؤل كما هي أم أنها ستتغير!!.
أهمية هذه القضية أنه لا يمكن بتاتا، اعتبار الحديث عن شريحة الشباب وقضاياهم خاصة في دولة مثل الإمارات كلاما هامشيا أو حديثا جانبيا، فهذه الشريحة تفوق 70% من شعب الإمارات والكلام عنها يعني الحديث عن مساحة كبيرة من المجتمع وعن قضية مهمة لجيل يصنع الغد الإماراتي. نظريا، يعتبر الخبراء المجتمعات التي تشكل فيها شريحة الشباب النسبة الأكبر، ذات حظ أوفر وأكبر في أن تكون مؤهلة أكثر من غيرها من الدول لتحقيق معدلات أعلى من الازدهار والنمو، شرط أن تتم الاستفادة من طاقات الشباب وأن يتم استغلالهم بشكل واع وجيد.