رفضت وزيرة الخارجية الأميركية تقرير الأمم المتحدة الذي أدان عمليات التعذيب في سجن غوانتانامو، بحجة أن المفتشين لم يُسمح لهم بزيارة السجن، وأنهم اعتمدوا في كتابة تقريرهم على أقوال بعض المُفرج عنهم وآخرين ممن كانت لهم صلة بأحوال السجن. وفجأة يبث التلفزيون الأسترالي صورا عن أشكال التعذيب في سجن "أبوغريب"، ولم تكن هذه الصور الأولى، حيث سبق وأن نُشرت صور أخرى عن تعذيب السجناء.
أمام تصاعد موجة الإدانة لممارسة التعذيب بحق السجناء، لم تملك الإدارة الأميركية إلا الاعتراف واعتبار هؤلاء خارجين عن القانون، وأن ما قاموا به لا يمثل إلا حالة فردية. طبعا نتذكر فضيحة اعتقال خالد المصري، وفضائح السجون الخفية التابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية، التي كشفت عنها تقارير منظمات حقوق الإنسان، وكيف كانت ردود الفعل الدولية، مما حدا بوزيرة الخارجية الأميركية للقيام بزيارة خاطفة لدول أوروبا لتهدئة الغضب.
الولايات المتحدة الأميركية تعتبر نفسها المدافع الأول عن قضايا حقوق الإنسان وتحرص وزارة الخارجية الأميركية على نشر تقارير دورية عن أية ممارسات تقوم بها دول ضد حقوق الإنسان، وهو أمر لا بأس به، إلا أن القلق يعترينا من الفضائح المتواصلة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الإدارة الحالية سواء في سجن "أبوغريب" أو في معتقل غوانتانامو، أو في سجون أخرى تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
في لقاء مع رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية السابق أعلن أن قضية خالد المصري الذي تم اعتقاله ونقله إلى دولة أوروبية وتعريضه للتعذيب والاعتقال لمدة خمسة شهور بررها بأن ما تقوم به الوكالة ينطلق من حماية أمن الولايات المتحدة، وقال: وحتى إنْ ارتكبنا أخطاء، فإن حماية الأمن الوطني الأميركي تأتي على قمة الأولويات. الرئيس الأميركي جورج بوش برر التنصت على المكالمات الهاتفية ومتابعة شبكات الانترنت بأنها أمر ينطلق من حماية أميركا.
هناك انشقاق في داخل الإدارة الأميركية حيال السياسات التي تتبعها الإدارة الحالية، وبدأت أصوات معارضة لمثل هذه الممارسات تظهر على الساحة الأميركية، مما يؤكد بأن المعارضة ليست خارجية وإنما كذلك داخلية.
الإدارة الأميركية تشعر بأن نشر صور التعذيب يؤدي إلى مزيد من الكراهية ويعرض جنودها للخطر وتدعو مؤسسات الإعلام إلى وقف نشر مثل هذه الصور التي تؤجج مشاعر الكراهية والعدوان وتهدد المصالح الأميركية وتعرضها لمخاطر حقيقية.
الخطأ الكبير أن نستمر في الدفاع عن السياسة الأميركية فقط، لأنها أسقطت صدام حسين باعتباره نموذجا للاستبداد العربي ونغمض أعيننا عن ممارسات لاإنسانية تقوم بها الإدارة الأميركية، وهي بكل المقاييس مسيئة لميثاق حقوق الإنسان الذي وقعت عليه.
الولايات المتحدة الأميركية معنية بتوضيح موقفها حيال الممارسات المشينة ومطالبة بوقف أعمال التعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين، كما على منظمات حقوق الإنسان العربية والعالمية إدانة مثل هذه الممارسات، والدعوة لوقفها، حيث إنها ممارسات لاإنسانية، ولا تساعد على مد جسور التفاهم بين الثقافات.
نحن لا ندعو لأعمال العنف أو تنمية مشاعر الكراهية والعدوان، وإنما دعوتنا تنطلق من أحقية المكاشفة وحث الأصدقاء على الاعتراف بأخطائهم المشينة، وأن استمرار تجاهل الإدارة الأميركية لأعمال التعذيب واستمرارها في اعتقال سجناء غوانتانامو يعد مخالفا لميثاق حقوق الإنسان وعليها الإذعان للمطالب الدولية بالكف عن مثل هذه الممارسات، لكي لا تعطي فرصة لانتشار دعوات التطرف والإرهاب.
دول أوروبا من خلال الاتحاد الأوروبي، يجب أن تكون لها وقفة حيال هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان حيث لها رصيد لا بأس به في المحافظة على سجل حقوق الإنسان في العالم.