كان من الواضح أن البيان التوضيحي الذي صدر باسم مجلس الشورى السعودي يوم الأحد قبل الماضي (12/2/2006)، لتبرير رفض النظر في توصية قيادة المرأة للسيارة، لم يكن بياناً قانونياً في مضمونه وأهدافه (انظر مقالة الأسبوع الماضي). ولم يكن قانونياً في شكله من حيث أنه لم يطرح للتصويت عليه من قبل المجلس. لم يصدر البيان بعد مداولات بين أعضاء المجلس. صدر بمعزل عن ذلك، وبناء، أولاً، على رأي إدارة المستشارين في المجلس التي طلب منها النظر في موضوع التوصية، ثم قرار الهيئة العامة للمجلس، والذي بدوره بني على رأي تلك الإدارة. قرار الهيئة كان بتفويض رئيس المجلس "بالنظر في الحالات التي تطرح أو تثار من هذه الموضوعات حسب ما يرد فيها وله سلطة تقدير ما يمكن اتخاذه في هذا الشأن". أي أنه يحق لرئيس المجلس الاستفراد بسلطة التقدير والتقرير في مثل هذا الموضوع من دون تصويت داخل المجلس. وهذا شكل من أشكال الاستبداد بالرأي، يتعارض مع طبيعة هذه المؤسسة ونظامها، باعتبارها هيئة استشارية/ تشريعية تقوم على التشاور والتصويت.
والاستبداد بالرأي يؤدي إلى الإقصاء، وهو ما حصل برفض صلاحية المجلس في تناول موضوع قيادة المرأة تحت غطاء الدين وشبهة عدم الاختصاص، حسب رأي إدارة المستشارين. ومع أن البيان صدر على أساس أنه تخريج قانوني لهذا الرأي، إلا أنه في الحقيقة ليس أكثر من بيان تسويغي تجاهل كل الأنظمة والقوانين، بهدف إقصاء مجلس الشورى عن تناول هذه القضية، وحصر صلاحية النظر فيها في المؤسسة الدينية دون غيرها.
ولأنه ليس هناك مستند دستوري أو قانوني لتبرير ذلك، لجأ البيان إلى ذريعة أن هناك فتوى شرعية حول القضية، الأمر الذي بموجبه تحولت إلى قضية ذات "بعد ديني وشرعي". وهذا، حسب البيان، يخرجها عن نطاق صلاحيات المجلس تماماً، ويضعها ضمن صلاحيات الجهة التي أصدرت الفتوى. بناء على هذا المعيار تصبح كل قضية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ذات بعد ديني وشرعي بمجرد أنه صدرت فيها فتوى. وإذا عرفنا أن نشاط الإفتاء، الرسمي وغير الرسمي، لم يترك مجالاً إلا وأفتى فيه، فإن مجلس الشورى في هذه الحالة يجب أن يغلق أبوابه لأن كل القضايا التي يريد تناولها ذات بعد ديني وشرعي. إيراد مبرر "البعد الديني والشرعي" في هذا الإطار يتجاهل حقيقة أن تداخل الأبعاد الاجتماعية والسياسية والدينية أمر طبيعي، خاصة في ثقافة مجتمع مثل المجتمع السعودي.
وحتى يغلق البيان الباب تماما أمام إمكانية عودة القضية إلى المجلس ألمح، من دون تصريح، إلى أن قضية قيادة المرأة من القضايا التي "أسند ولي الأمر الاختصاص فيها إلى جهات محددة"، وبالتالي "يتعين تركها لتلك الجهات تجنبا لأي طعن في القرارات الصادرة عن المجلس لشائبة عدم الاختصاص". اللافت هنا أن البيان تفادى القول بشكل مباشر بأن ولي الأمر أسند موضوع قيادة المرأة إلى جهة محددة، غير مجلس الشورى. وسبب التفادي يعود إلى أن ولي الأمر في الواقع لم يفعل ذلك، بالإضافة إلى عدم وجود أساس نظامي يمكن أن يدعم مثل هذا الادعاء. فما قاله الملك وولي العهد أكثر من مرة هو أن مسألة قيادة المرأة تعود إلى المجتمع، وليس إلى الدولة.
لكن البيان يصر على إحكام إغلاق الباب، ولذا اشترط أن السبيل الوحيد أمام المجلس للنظر في قضية قيادة المرأة أن يتم تحويلها إليه من قبل "المقام السامي باعتباره مرجع السلطات". كيف يمكن للملك أن يحيل موضوعاً إلى مجلس الشورى وقد أسند الاختصاص فيه إلى جهة أخرى؟ وبما أن هذه الجهة أصدرت فتوى حول الموضوع، فكيف يمكن للملك في هذه الحالة أن يتراجع عما أسنده إليها ابتداء؟ ألا يمكن أن يفهم هذا التراجع على أنه رفض للفتوى، ولذلك يريد أن يعيد إسناد الموضوع إلى جهة أخرى بحثا عن رأي آخر؟ سيبدو الأمر في هذه الحالة وكأنه ليس هناك "نظام أساسي للحكم" حدد سلطات الدولة الثلاث، وحدد صلاحيات كل واحدة منها.
وإذا كان الملك أساساً لم يسند الموضوع إلى جهة غير مجلس الشورى، فإن اشتراط البيان إحالة القضية من المقام السامي إلى المجلس هو محاولة لاختلاق ظرف تعجيزي خاص بهذه القضية لتبرير تجاوز المادة (23) من نظام المجلس، والتي تعطي أي عضو في المجلس حق اقتراح مشروع نظام جديد، أو تعديل نظام نافذ.
لم يكن هدف البيان إذا الحرص على دقة الالتزام بقواعد النظام والقانون في تحديد صلاحيات مجلس الشورى، والتأكد من عدم تداخل صلاحياته مع صلاحيات جهة رسمية أخرى. بعبارة أخرى، لم يكن البيان رأيا قانونيا محايدا. على العكس كان هدف البيان هو إخراج موضوع قيادة المرأة بكاملها من مجلس الشورى، وربما إخراج قضية المرأة كلها من اختصاصات هذه المؤسسة بغض النظر عما يقوله النظام الأساسي للحكم في هذا الموضوع. لماذا؟ هذا سؤال ينبغي توجيهه أولا إلى الذين أعدوا البيان. لكن استناد البيان في رأيه هذا على صدور فتوى حول قيادة المرأة، يوحي بأن هناك تخوفاً لدى من أعدوا البيان من أن تولي مجلس الشورى عملية تشريع قيادة المرأة سيكون على حساب المؤسسة الدينية، وق