"البراغماتية"، مصطلح غربي ليس له أصل عربي أو إسلامي، بل هو مناقض لكل المفاهيم والقيم الدينية، وفقا للتعريف الوارد في المراجع كما سنبين لاحقا. لكن هذا المصطلح غير الإسلامي أصبح اليوم الكلمة المفضلة عند جماعة "الإخوان المسلمين", سواء في مصر أو الكويت، وأخيرا حركة حماس، التي كمثيلتها المصرية ما كان لها أن تفوز بالانتخابات التشريعية لولا التدخل الأميركي وممارسة الضغط على الحكومات العربية لممارسة الشفافية، الكلمة التي لا يزال معظم العرب لا يعرفون حتى كيف ينطقونها بشكل سليم!
في الكويت أعلن أحد قيادي جماعة "الإخوان المسلمين" من النواب، وبعد نجاح الحكومة في تمرير قانون الحقوق السياسية للمرأة، أن الحركة براغماتية في سلوكها، ثم تظهر الفضيحة من خلال تصريح رئيس جهاز أمن الدولة السابق، بأن الحكومة دفعت سبعة ملايين دينار لبعض النواب لتمرير هذا القانون، وقد أحالت الحكومة هذا الرئيس إلى النيابة العامة، ولا تزال القضية أمام المحاكم الكويتية. ثم جاء "إخوان" مصر بعد نجاحهم في الانتخابات العامة، وصرح مرشدهم العام، على ما أعتقد, بأن الحركة لن تعترف بإسرائيل، ولكنها لن تلغي الاتفاقات التي عقدتها الحكومة المصرية مع الكيان الصهيوني!! كما أنهم لن يحاربوا إسرائيل!! وكأنه يستطيع ذلك! واليوم تأتي حركة "حماس" لتعلن أيضا "براغمتيتها"، الخاصة بها في التعامل مع إسرائيل. ما هي هذه البراغماتية المزعومة؟ يعلن الرئيس الفلسطيني "الحماسي" غير المتوج، خالد مشعل، مدير مكتب "حماس" في دمشق، أن "حماس" لن تعترف بإسرائيل، لكنها مستعدة لهدنة طويلة الأجل، وكأن زعماء الكيان الصهيوني يشتغلون عند حركته! إنها البراغماتية الفلسطينية بعد البراغماتية الكويتية والمصرية، رغم كل الاتفاقات بين الدولة العبرية والأردن. إنه زمن البراغماتية الإسلامية لمن لا يريد أن يفهم من الأغبياء.
ما هي البراغماتية التي يزعم هؤلاء الإسلاميون التمسح بها لتبرير أفعالهم؟ وفقا لمعجم "المغني الأكبر", هي: "فلسفة تحكم على صحة الأشياء وعدمها بحسب النتائج التي تسفر عنها هذه الأشياء وليس بحسب المبادئ العامة". وأما المعنى العام لهذه الفلسفة فهو ما يسميه كثير من الناس خطأ، بالواقعية السياسية، أي لغة التعامل مع الحدث الواقع أو القائم. ذلك أن الواقعية السياسية تعني "سياسة الواقع لا السياسة المبنية على مبادئ أخلاقية"، كما يعرف ذلك معجم، "المغني الأكبر". وفي جميع الأحوال ما يجمع البراغماتية والواقعية السياسية هو البعد عن الأخلاق والمبادئ. لكن نسأل جميع المنتمين للجماعات الدينية ذات الأهداف السياسية، هل هذا من الدين؟ كارثة إذا كانت الإجابة: نعم، رغم أنها كذلك. ومن باب هذه الوسيلة اللاأخلاقية ستتعامل حركة "حماس" مع الواقع السياسي الفلسطيني القائم حين يبدأ العمل التشريعي، ذلك أن كل الاتفاقات التي عقدتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل ملزمة لهم رغم أنوفهم، وسيعلنون وقف العنف، وسيغيرون مبدأهم القاضي بتدمير إسرائيل، وذلك حتى يتمكنوا من توفير الأموال اللازمة لحياة الشعب الفلسطيني الذي لا مجال أمامه للحياة سوى الاعتماد على المساعدات الأوروبية والأميركية، لكن المكابرة الزائفة تمنعهم من الاعتراف بذلك.
كما يقولون، من السهل أن تكون في المعارضة، لأنها لا تكلف شيئا، لكن التواجد في سدة الحكم شيء مختلف تماما، وهذا ما ستواجهه "حماس" وهي غير مستعدة له، كما أنها لا تملك من الفكر السياسي للتعامل مع هذا الحدث الجديد سوى مصطلح، البراغماتية، الذي أخذت تدعيه، ودون أدنى اهتمام كونه يتوافق مع الدين أم لا، فالصدمة أكبر من قدرتهم على الاستيعاب، لكنهم سيتأقلمون مع الوقت... وسيعترفون بإسرائيل، ويتخلون عن العنف، ويقبلون التعامل مع معطيات السلام حتى وإن لم يكن عادلا حتى الآن.