في افتتاح الجلسة الأولى للمجلس التشريعي الفلسطيني الجديد، جاءت كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتطوق السياسة الإسرائيلية ومساعيها الخبيثة في نقطتين، أولاهما: استغلال فوز "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس لمعاقبة الشعب الفلسطيني وفرض الحصار الاقتصادي والأمني والسياسي عليه وعلى سلطته الشرعية المنتخبة. في هذه النقطة جاء خطاب عباس واضحاً لا يحتمل اللبس، عندما قال مخاطباً إسرائيل والعالم بأنه لا يجب معاقبة الشعب الفلسطيني بسبب خياره الديمقراطي. أما النقطة الثانية، فهي محاولة إسرائيل وساستها استغلال فوز "حماس" أيضاً للإعلان بأنه لم يعد هناك شريك فلسطيني ملتزم بعملية السلام، تمهيداً لاستكمال نهج التسوية من جانب واحد بالشروط الإسرائيلية في الضفة الغربية تتمة للخطة التي بدأت بالانسحاب أحادي الجانب من غزة. وفي هذه النقطة أعلن عباس بوضوح أن الفلسطينيين رئاسة وحكومة سيلتزمون بنهج التفاوض والتعامل مع اتفاقيات "أوسلو" بواقعية بهدف العودة إلى مائدة المفاوضات. هذا الإعلان، يوحي بأن خطاب الرئيس قد خضع في هذه النقطة بالذات لمشاورات سابقة مع "حماس" للوصول إلى هذا الإعلان الساطع، بأنه لا خلاف بين الرئيس والحكومة الجديدة على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل والعمل سوياً على دفع الحكومة الجديدة في إسرائيل، والتي ستتشكل بعد انتخابات الثامن والعشرين من مارس إلى التراجع عن سياسة التسوية من جانب واحد والعودة إلى طريق المفاوضات.
إن هذين الإعلانين الواضحين من جانب الرئيس الفلسطيني يجب أن يتوقف المجتمع الدولي عندهما بالتدقيق والفحص والفهم، لإدراك أن السياسات الإسرائيلية التي تحاول دفع القوى الدولية إلى محاصرة الشعب الفلسطيني ونزع صفة الشرعية عن حكومته الجديدة، ليست سياسات عادلة وليست سياسات حريصة على السلام، بل هي سياسات ذات غرض خبيث مفضوح في اعتصار هذا الشعب بالضغوط الاقتصادية والأمنية لإجباره وإجبار ممثليه الشرعيين في الرئاسة والحكومة على حد سواء لقبول فتات التسوية أحادية الجانب. لقد كان عباس واضحاً أيضاً في الكشف عن أهداف هذه السياسة الإسرائيلية، عندما أكد أن الشعب ورئاسته وحكومته يرفضون نهج التسوية من جانب واحد والهادف إلى الاستيلاء على غور الأردن والمساحات المقامة عليها الكتل الاستيطانية الكبرى وقضم القدس وإقامة دولة كنتونات فلسطينية معزولة ومقطعة الأوصال.
إن مهمتنا في الدائرة العربية تقتضي نقل مفردات هذا الخطاب الفلسطيني الموحد إلى دول "الرباعية الدولية"، وفي مقدمتها الولايات المتحدة للتراجع عن منطق حشر الحكومة الفلسطينية في الزاوية بمطالبتها بالإعلان الصريح والفوري عن الاعتراف بإسرائيل وإلا تعرضت هذه الحكومة للعزل والحصار السياسي والاقتصادي.
إن في الخطاب ما يكفي من معانٍ دالة على أن الرئاسة والحكومة "الحماسية" معاً، يلتزمان باتفاقيات أوسلو ومسيرة التفاوض، وبالتالي فالمهم الآن ليس انتزاع اعتراف صريح من "حماس" بإسرائيل، بل بدفع إسرائيل إلى العودة إلى المسار التفاوضي وهو الأمر الذي إذا ما تحقق فلن نفاجأ بمشاركة من "حماس" على مائدة المفاوضات. لقد أعطت "حماس" إشارات عديدة على استعدادها للاندماج في عملية "أوسلو". كانت أولى هذه الإشارات قبولها بدخول الانتخابات التشريعية لمجلس تشريعي تأسس أصلاً بناءً على مفاوضات "أوسلو". ثم كانت ثانية هذه الإشارات عدم إدراج البند القاضي بعدم الاعتراف بوجود إسرائيل في البرنامج الانتخابي الذي خاضت الحركة على أساسه الانتخابات. وكانت ثالثة الإشارات تصريحات خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" بأن الحركة ستتعامل مع اتفاقيات "أوسلو" بواقعية.