أثار دخول إيران إلى سباق امتلاك التكنولوجيا النووية في السنوات الأخيرة ما أثاره من خلافات بين إيران من ناحية والقوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى، وبعيداً عن الطريقة التي أدار بها كل طرف خلافه مع الطرف الآخر فإن الأمر برمته قد أحدث التباساً سرعان ما أفضى إلى ارتباك في الساحة العربية. وكان من الواضح أن ثمة رأيين قويين في هذا السياق أولهما يرى أن الأطراف العربية يتعين عليها أن تظاهر إيران في معركتها هذه لأكثر من سبب، فالمسعى الإيراني لامتلاك ناصية التكنولوجية النووية –السلمية كما تقول إيران- هو جزء من مسعى عام لدول الجنوب من أجل تضييق الفجوة التكنولوجية بينها وبين دول الشمال المتقدم، ولا يعقل أن تعترض الدول العربية على هذا المسعى الذي يفترض أن تنخرط بدورها فيه إن لم يكن بعضها قد باشر التحرك تجاهه بالفعل، ثم إن إيران ثانياً قوة مضافة للعرب بدليل موقفها من إسرائيل وبالتالي فإن التقدم التكنولوجي لإيران هو إضافة للجانب العربي في الصراع مع إسرائيل خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية ومعها قوى غربية كثيرة قد نصبت نفسها مدافعاً عن الخيار النووي الإسرائيلي على الرغم من عدم انضمام إسرائيل لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بعكس إيران، وأخيراً وليس آخراً فإن خصمي إيران الرئيسيين في المباراة النووية الراهنة هما الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل اللتان تفسدان الأرض في العراق وفلسطين وبالتالي فإن مساندة إيران تأتي على الأقل من باب عدو عدوي صديقي.
بالمقابل برزت وجهة نظر أخرى تنطلق من نقد الطريقة المثالية في تحليل الظواهر الدولية وهي طريقة عفا عليها الزمن منذ عقود، فإيران عندما تبني قدراتها فإنما تفعل ذلك لمصلحة وطنية بحتة وهي إعادة ترتيب الأوضاع في محيطها الإقليمي بما يجعلها تنتمي إلى شريحة الدول القائدة في هذا المحيط وبما يمكنها من الإخلال بموازين القوى لصالحها مع بعض الأطراف التي تخشى من تأثيرها السلبي على مصالحها الوطنية، وهي لن تتبرع بوضع قدراتها النووية بما في ذلك العسكرية إن توصلت إلى ذلك في خدمة العرب في صراعهم مع إسرائيل، فالمسألة ليست بهذه البساطة، وإذا كان لإيران أن توظف قدراتها النووية في صراع دولي ما فسوف يكون ذلك لأنها بالضرورة مهددة بخطر جسيم يمس كيانها الوطني أما أن تضرب إسرائيل أو تردعها بسلاح نووي لصالح العرب فإن ذلك أمر لا يعرفه منطق العلاقات الدولية وإلا لكانت باكستان قد فعلت من قبل إيران على الرغم من كل ما قيل وبشر به عن "القنبلة النووية الإسلامية". بل إن منطق الانتشار النووي قد بني بحد ذاته على هذه الفكرة، فعندما تأكد ديجول من أن الولايات المتحدة الأميركية لن توظف قدراتها النووية العسكرية ضد الاتحاد السوفيتي إذا وجه ضربة نووية لفرنسا بدأ يفكر في الخيار النووي الفرنسي المستقل، وتحمل ما تعرض له من هجوم وسخرية من قبل دوائر أميركية رسمية وغير رسمية حتى أصبحت فرنسا قوة نووية.
من هنا حدث نوع من التباين في المواقف العربية إزاء الملف النووي الإيراني بين مؤيد لإيران ومعارض لها وثالث يبدو على الحياد، ولعل السلوك التصويتي للدول العربية الأعضاء في مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية حين عرض عليه موضوع إحالة الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن قد عكس هذه الحقيقة، فقد تفرقت الدول العربية ما بين معترض على الإحالة وموافق عليها –وإن بشروط- وممتنع عن التصويت.
كما ترتب على ذلك الخلاف خلاف آخر حول الأولويات: هل نعطي الأولوية للقدرة النووية الإسرائيلية على أساس أنها أمر واقع وأن طابعها العسكري أكيد، أم للقدرة النووية الإيرانية على أساس منع تفاقم الخطر والأمل في أن تفيد السابقة الإيرانية في تحجيم القوة النووية الإسرائيلية لاحقاً؟ ولعل هذا الخلاف قد تخلل في نهاية العام الماضي ثنايا الحوار شبه العلني بين أمين عام جامعة الدول العربية وأطراف تنتمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.
والواقع أن المشكلة في تقديري تكمن في منطق الأولويات: أي أن نقارب المسألة من منظور أيهما الأخطر على الأمن القومي العربي: القدرة النووية الإسرائيلية أم القدرة النووية الإيرانية؟ فالواقع أن كليهما خطر من المنظور الاستراتيجي الخاص بموازين القوى وأدوار القيادة الإقليمية مع ضرورة الاعتراف بأن بعض الأطراف تضيف لها مخاطر أكبر بحسب القرب الجغرافي، فكما أن مصر على سبيل المثال تتحسب لتهالك مفاعل ديمونة الإسرائيلي فإن دولة كالإمارات العربية المتحدة تتحسب لاحتمالات وقوع أَضرار بيئية جسيمة من جراء قرب المنشآت النووية الإيرانية منها سواء في ظل حوادث محتملة تتعرض لها هذه المنشآت أو بسبب ضربة عسكرية ممكنة لها، ولذلك فقد أحسنت القمة الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي عندما جمعت على نحو متوازن بين الملفين النوويين الرئيسيين الآن في المنطقة: الإسرائيلي والإيراني. فبدأ المجلس الأعلى بمطالبة إسرائيل بالانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع كافة منش