حديث أبناء القبائل والعائلات والمشهورين والمغمورين والأوائل والمتأخرين والذين أسرعوا المسير والذين تلكأوا وتباطأوا حديث مسكوت عنه علناً، لكن بعضهم يخوض فيه في المجالس الخاصة: همزاً ولمزاً وتحليلاً واستنتاجاً، ثم يصبح الأساس الذي يبنون عليه نظرتهم لعدد من المواقف، وبالذات في قضايا المناصب والوظائف.
بمرور الوقت تصبح الهمهمات والتعليقات والأحاديث الجانبية هواجس مقلقة، في المكاتب، حين لا يجد هؤلاء الكفاءة هي العنصر الأساس الذي تم الاعتماد عليه عند تنصيب بعض الأفراد وتقليدهم للوظائف.
يقولون مثلاً إن فلاناً لم يرق لأنه من عائلة مغمورة، وآخر استبعد لأنه ليس ابن الإمارة، وثالث نال ما لا يناله الآخرون لأن جده كان عداءً فوصل باكراً !...وهكذا.
المطلوب هنا الاعتراف بالمشكلة لكونه أولى خطوات العلاج، هذا إن كان يُراد علاجها أصلاً، فبعض المدخنين لا يصغون إلى النصائح ليس لأنهم لا يصدقونها، بل لأنهم من الأساس لا يرغبون في ترك التدخين، والذي لا يقلع عن التدخين نهايته محزنة.
وإذا جاز اعتبار الأمر مرضاً إدارياً، فسببه فيروسات عدة أهمها الفئوية والعصبية والمناطقية والشللية والواسطة والمجاملة، والنتيجة: حدوث المرض والذي يؤدي بدوره إلى وفاة المريض، وهنا يكون فشل الإدارة في تحقيق أهدافها وهو ما يعني الإضرار بالصالح العام.
صحيح أن الأمور لا تسير بهذا الشكل في الوظائف الدنيا والمتوسطة، لكنها تجري هكذا، أحياناً، في الوظائف العليا، أي القيادات، سواء قيادات اتحادية أو محلية، والقيادة حين تسند لغير الكفء، فإن المكان يصبح كبرج متماسك الطوابق لكن بأساس غير قوي. ولا أعني هنا الوظائف العليا ذات الصبغة السياسية، فهذه لها متطلباتها ومعاييرها المختلفة، بل أقصد هنا القيادات الفنية والخدمية خاصة على المستوى المحلي.
أما كيفية الوقاية، فتكمن في قرص ثمين ورخيص، هو الاعتراف بالكفاءة والاعتماد عليها، بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بقطع النظر عن عائلته وجغرافيته، فالمناسبية لا ترتبط أبداً بالإسم، المناسبية أخت الكفاءة أو ابنة عمتها في أسوأ الأحوال. هذه الوقاية الثمينة والرخيصة في آن، لا تباع في الصيدليات ولا يعرفها الأطباء بل هم أعجز حيالها من عجزهم أمام أنفلونزا الطيور، هي فقط تحتاج إلى الاقتناع بها مع النظر إلى مستوى تطور الدول التي تعتمد على الكفاءة الشخصية عند تنصيب الأفراد للوظائف.
ولا يهم بعد ذلك إذا قدّم فلان المشهور لأن اسمه كذا على فلان المغمور لأن اسمه ليس كذا إذا كانا في مستوى واحد، وليس مهماً أبداً مسقط رأس هذا المدير أو ذاك، فالمهم هو ما يحتويه هذا الرأس من فكر وعلم وكفاءة، بل في ما تبذله هذه اليد من عمل وجهد، ولا تهم الوسيلة التي وصل بها، فالمصلحة العامة بحاجة إلى قيادي يستحق وصفه بـ"حصان شغل".