أثارت صفقة "موانئ دبي العالمية" بشأن شراء شركة "بي آند أو" البريطانية العديد من ردود الأفعال -أو بالأحرى- الاعتراضات الأميركية على الصعيدين الرسمي والإعلامي، ولكن من الضروري القول بأن هذه الاعتراضات التي تناولتها صحف أميركية عدة هي جزء من مظاهر الأداء السياسي الغربي، الذي تحكمه اعتبارات وحسابات داخلية معقدة ومتشابكة، بحيث يصعب فهم هذه الاعتراضات باعتبارها موجهة تماما ضد دولة الإمارات. إن الخلافات التجارية باتت إحدى سمات العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة، فلا تكاد علاقات الولايات المتحدة بدولة من دول العالم تخلو من ملفات خلافية تجارية، والعلاقات بين واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي وطوكيو وبكين وغيرها خير شاهد على أن هذه النوعية من الخلافات باتت سمة من سمات العلاقات الدولية، وهذه الخلافات لا تؤثر سلبا في مسار العلاقات بين تلك الأطراف. وبالتالي فإن الاعتراضات لا تعبّر عن مواجهة تجارية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، فالأمر أساسا يتعلق بأحد "توابع" صفقة شراء "موانئ دبي العالمية" للشركة البريطانية، ما يتيح لـ "موانئ دبي" بالتبعية إدارة ستة موانئ أميركية بدلا من الشركة البريطانية، ولندن أعلنت موقفها رسميا، حين أكدت أنها لا ترى خطرا أمنيا في صفقة "موانئ دبي"، وهو الموقف ذاته الذي تتبنّاه وتدافع عنه إدارة الرئيس بوش، من واقع مراجعات فنية أجرتها الأجهزة والإدارات الأميركية المعنية، التي وافقت على الصفقة قبل إتمامها.
وإذا كانت بعض الصحف الأميركية قد تناولت دولة الإمارات في إطار سلبي، فإن من المهم الإشارة بالمقابل إلى كمّ كبير من التغطيات الإعلامية الأميركية التي تحدثت في سياقات أخرى عن الإمارات باعتبارها معجزة تنموية، بل إن هناك مراقبين غربيين اعتبروا أن الاعتراضات على صفقة دبي "محض هراء"، فالمسألة إذاً سجال، والأمور لا تمضي في اتجاه واحد، ومن الصعب أن ننتظر مديحا إعلاميا ورسميا طول الوقت وكل الوقت، وعلينا أن نتفاعل مع الأوضاع كافة، وأن نتلقى الرأي السلبي والإيجابي، ونطرح الحقائق كاملة، ونقدم الصورة الإيجابية المضادة ضمن سجال تفاعلي يعكس ما وصلت إليه الإمارات من مستوى راقٍ للتقدم والتحضر.
المنطق الذي تحدثت به بعض الأوساط الأميركية حول الإمارات قائم على أفكار مقولبة وبالية، تدحضها الحقائق والممارسات على أرض الواقع، فلم تكن الإمارات يوما داعما للإرهاب ولا متسامحة حياله، بل تقف دوما في صدارة مواجهة هذا الخطر المعولم، ولكن من الضروري ألا نفهم هذه الاعتراضات باعتبارها نوعاً من العداء الذي يستحق الاحتجاج والوقفات الجادة الصارمة كما يرى البعض، ولكن علينا أن نتفهم البواعث الحقيقية للاعتراضات، وعلينا أيضا أن نأخذ بالاعتبار "قواعد اللعبة" ونقف على حقيقة التشابكات والتعقيدات التي تمزج الحسابات الاقتصادية بالمواقف السياسية، وأن نتحرك بثقة ونعرض وجهة نظرنا بهدوء لأن المنطق الاقتصادي القويم ينتصر لشركة "موانئ دبي"، وما دمنا نمتلك الطموح نحو مزيد من الصعود إلى مسرح الاقتصاد العالمي، فعلينا أن نستعد لعشرات الجولات التنافسية التي تشهر فيها أسلحة سياسية وإعلامية، وتتداول فيها مفاهيم وشعارات وحجج تمتزج فيها الحقائق بالأباطيل والمزاعم والصور النمطية المشوهة.
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية