حرب استباقية جديدة تديرها الولايات المتحدة على الساحة الدولية فمن هجوم عنيف على منظمة الأمم المتحدة وأمينها العام إلى التجاهل المتعمد لصور الانتهاكات الأميركية في سجن أبوغريب بالعراق باعتبارها قضية منتهية صدرت فيها أحكام، وقبل ذلك السجون السرية والمعتقلون الأشباح، حرب طويلة على "الإرهاب" جرت الولايات المتحدة لحروب على كافة الجبهات حتى الجبهة الداخلية. إدارة واشنطن لأزماتها المتفجرة تطرح أكثر من تساؤل وتثير أكثر من علامة تعجب حول التعريف الأميركي للقانون الدولي والمعايير الإنسانية للسياسة الاميركية قبل الحديث عن الأخلاقية، وقبل كل ذلك التعريف الأميركي لـ"التعذيب" وكلما تأزمت الإدارة الأميركية كان رد الفعل الاستباقي العدواني أبرز الخيارات، فالمشاكل القانونية التي تواجهها الإدارة الأميركية أعقد من أسلوبها الهجومي في إدارتها لأزمتها، والعواصف التي تثيرها فضائحها المستمرة أكبر من قدرة إدارة متغطرسة على الاحتواء. في ظل علاقات ملتبسة مع العالم الإسلامي، وفي ظل أوضاع متوترة تنبئ بتفجير براكين الغضب الكامنة.
فبعد أن طرزت الإدارة الأميركية العالم بالسجون السرية وبعد أن أصبح معتقل غوانتانامو فضيحة أميركية مقيمة على الحدود الأميركية الجنوبية عادت من جديد الإدارة الأميركية لمواجهة أسوأ أشباح حربها على الإرهاب فقد تزامن نشر مذكرة المفوضية العليا لحقوق الإنسان في تقريرها عن أوضاع المعتقلين في غوانتانامو والذي تتهم فيه الولايات المتحدة بانتهاك القوانين الدولية باحتجازها عددا كبيرا من المعتقلين لفترة طويلة دون تقديمهم للمحاكمة. مع بث القناة التلفزيونية الأسترالية "أس بي أس" صورا قديمة جديدة "غير منشورة" تظهر جنوداً أميركيين يعذبون سجناء عراقيين في سجن أبوغريب في عام 2003. سارعت الولايات المتحدة إلى إعلان حرب استباقية على التقرير الدولي للأمم المتحدة الخاص بالمحتجزين في قاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو والذي تطالب فيه المنظمة الدولية الولايات المتحدة بتقديم المعتقلين إلى المحاكمة أو إطلاق سراحهم وطالبت فيه أيضاً الحكومة الأميركية بالكف عن "ممارسة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية المذلة"، ثم خلص التقرير إلى المطالبة بالإغلاق الفوري لمعتقل غوانتانامو. وقد شككت الولايات المتحدة بالتقرير حتى قبل صدوره رسميا ووصفته بأنه غير متوازن وتشوبه العيوب، فانتقدت في البداية مصداقية المعلومات التي يستند إليها التقرير بالتركيز على أنه يرتكز على شهادات من معتقلين سابقين أعضاء في "القاعدة" أو "طالبان" كان قد تم إطلاق سراحهم من غوانتانامو وكان معدو التقرير قد تخلوا عن إعداد المهمة في غوانتانامو عندما رفضت الولايات المتحدة السماح لهم بعقد لقاءات منفردة مع المعتقلين. شروط أميركية كان قد اعتبرها الفريق تعجيزية لمهمته، وفي هجوم سريع مضاد رمت واشنطن الكرة في ملعب المنظمة الدولية قائلة إنه تمت دعوة مقرّري الأمم المتحدة لزيارة غواناتانامو لرؤية المنشآت وحضور جلسات اطلاع حول العمليات الجارية لكن ممثلي المنظمة الدولية رفضوا الدعوة. وخلصت واشنطن إلى القول إنه "من الواضح أن التقرير كان سيكون أكثر توازناً بكثير، بل وكان سيكون في الواقع موضوعياً ودقيقاً لو كلف الناس أنفسهم بالفعل عناء القدوم إلى غوانتانامو، أو حتى المجيء إلى واشنطن للحصول على المعلومات". لكن في مقابل الهجوم الأميركي وبلهجة دبلوماسية هادئة ناشد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان واشنطن بأن تغلق المعتقل "في أسرع وقت"، معتبراً أنه "لا يجوز احتجاز أفراد إلى ما لا نهاية، ويجب إبراز التهم ضدهم كي تتسنى لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم" ومحاكمتهم لإثبات التهم أو إطلاقهم.
مطالبة المنظمة الدولية بإغلاق المعتقل أو تقديم المعتقلين للعدالة ليست الوحيدة على المستوى الدولي لكنها الأولى من المنظمة الدولية، تزامنت معها مطالبات أوروبية متوالية بتقديم المعتقلين للعدالة أو إغلاق المعتقل فما بدأ بهمسات من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن الحقوق المدنية والحريات أخذ في التصاعد، ومع غياب الحد الفاصل بين الداخل الأميركي والخارج ومع تصاعد حدة النقاشات في الكونجرس الأميركي حول الوضع القانوني لمعتقلي غوانتانامو ومع تكاثر الأصوات المنادية بالبحث عن حلول أخرى في إطار القانون الدولي، جاءت أحدث التصريحات المضادة من الحليف البريطاني رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والذي اعتبر أن وضع غوانتانامو "شاذ، ولابد من تسويته عاجلاً أم آجلاً" خاصة بعد أن دعا البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي في ستراسبورغ الحكومة الأميركية إلى "إغلاق سجن غوانتانامو" ومحاكمة السجناء أمام "محكمة مختصة ومستقلة وحيادية".
خيط رفيع ذلك الذي يربط بين صور العراة في أبوغريب وصور السجناء ببزاتهم البرتقالية الفاقعة في معتقل غوانتانامو، صور تزامنت مع الحدث الأهم على الساحة العربية والإسلامية وهو أزمة نشر الرسومات المسيئة للإسلام والمسلمين بإساءتها للرسول صلى ا