كانت لدينا أعدل قضية، ولكننا واجهناها- كالعادة- بأسوأ رد فعل... والقضية هي فضيحة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، أما رد الفعل فإن أكثره غباء، كان تحميل الشعب الدانمركي بأسره، ومن بعده الشعب النرويجي، ثم أغلب الشعوب الأوروبية، مسؤولية ارتكاب مثل هذه الإساءة، وتلك الحماقة الغبية.
إذا لم تكن ردود فعلنا على قضية نشر الرسوم المسيئة حضارية ومتعقلة، فإن العالم بأسره لن يحترمنا، لا في هذه القضية ولا في أي خلاف مع الغرب أو الشرق مستقبلا. وأحد الأفعال الغريبة التي لا يقبلها السلوك البشري المتحضر، هو تهديد المواطنين الدانمركيين والنرويجيين بالقتل بسبب تلك الرسوم التي رسمها شخص واحد من بين الملايين من الدانمركيين، الذين يرفض أغلبهم أية إساءة لديننا الإسلامي أو لنبينا صلى الله عليه وسلم، أو حتى لبقية أنبياء الله عليهم السلام... فلماذا وجه البعض منا سهامه إلى شعوب بأكملها في الدانمرك والنرويج، وحملها مسؤولية فعل لم ترتكبه؟
لقد كان منظرنا مضحكا أمام العالم المتحضر، حين قررت الدانمرك والنرويج سحب بعثتيهما الإنسانيتين اللتين كانتا تعملان في مجالات خيرية وتوفير الخدمات الطبية والتعليمية في عدد من المخيمات الفلسطينية، بسبب التهديدات بالقتل!... ولقد كان موقف العرب والمسلمين محرجا، حين قرأ العالم عن العرب والمسلمين الذين يهددون بالقتل فرقا متطوعة تعمل في مجال الخدمات الإنسانية، ويحملونها مسؤولية فعل لم يرتكبه أي من أفراد هذه البعثات، بل شخص آخر لا صلة له بهم، لأنه إنسان مريض ويعاني عقدة عنصرية في داخله.
ولم يكن حال النرويج بأفضل من الدانمرك، فعلى الرغم من تقديم الحكومة النرويجية اعتذارا رسميا رقيقا للعالم الإسلامي، إلا أن البيانات التي صدرت من عدة جمعيات واتحادات، وحتى حكومات عربية وإسلامية، لم تخل من توجيه عبارات قاسية وصلت إلى حد البذاءة وتوجيه الاتهام للنرويج حكومة وشعبا على قيام صحيفة عنصرية بإعادة نشر تلك الرسوم... فكانت النتيجة أن خسرنا تعاطف حتى الأفراد الذين كانوا معنا والذين كانوا على الحياد في دفاعنا عن قضية الإساءة للنبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم.
لا يجوز تحميل شعب بأسره، أو أمة بأسرها مسؤولية قيام أفراد شاذين ينتمون إليه، بفعل عنصري مشين... وإلا فلماذا نحتج نحن العرب والمسلمين حين تتهم بعض الجهات الغربية كل العرب والمسلمين بأنهم إرهابيون؟... لماذا نصرخ بكل ما أوتينا من قوة في وجوههم، طالبين منهم ألا يعمموا الاتهام على كل المسلمين لمجرد أن بعض الأعمال الإرهابية التي وقعت هنا أو هناك، ارتكبها إرهابيون عرب أو مسلمون؟... لقد عانينا نحن العرب والمسلمين من هذا التعميم، فكيف نأتي مع قضية الرسوم فنعامل الدانمركيين والنرويجيين بنفس الأسلوب الغوغائي الذي نرفضه من الغرب؟
لقد شهدت بعض كبريات المدن والعواصم الغربية تظاهرات سلمية متحضرة، قادها مسلمون يعيشون في الغرب بكل أدب واحترام وتحضر، ودعوا للمشاركة فيها العديد من قادة الفكر والأدب والسياسة من الديانتين المسيحية واليهودية المتعاطفين مع قضايا المسلمين، والرافضين للإساءة إلى سيد الخلق والبشر... فكانت خير رسالة من مسلمين متحضرين، قدموا الإسلام في صورة راقية، ولم يعمموا الاتهام لجميع الشعوب أو الدول والحكومات، ولم يدعوا إلى قتل الأبرياء ولا إلى حرق الأعلام والسفارات... وهذا هو عين العقل...