شهدت السنوات القليلة الماضية نقاشاً واسعاً في اليابان حول مستقبل العرش الإمبراطوري، ولاسيما مع تقدم الإمبراطور الحالي أكيهيتو (72 عاماً) في السن ومعالجته في عام 2002 من الإصابة بسرطان البروستاتا. ورغم أن للإمبراطور ولياً للعهد هو الأمير ناروهيتو (45 عاماً) وابنا آخر هو الأمير أكيشينو (40 عاماً)، فإن اليابانيين المعروفين بالدقة في العمل والتخطيط للمستقبل وعدم ترك الأمور للصدف أو اللحظة الأخيرة– أي على عكس ما يحدث في مجتمعاتنا– يشعرون بالقلق من احتمالات أن ينشأ فراغ في العرش في حقبة ما بعد الأميرين، ويفضلون أن يعالج الأمر مبكراً.
والقلق هنا ناجم تحديداً من حقيقة أن العائلة الإمبراطورية لم يلد لها طفل ذكر منذ عام 1965 الذي شهد ميلاد الابن الثاني للإمبراطور أكيهيتو، وبالتالي عدم وجود من يمكنه خلافة ولي العهد الحالي أو شقيقه بالمواصفات التي يحددها الدستور. هذا الدستور الذي ينص على أن وراثة العرش محصورة في أبناء الإمبراطور وأحفاده من الذكور دون الإناث، الأمر الذي يقطع الطريق على ابنة ولي العهد الحالي الأميرة ايكو (5 أعوام) من الجلوس على العرش خلفاً لوالدها.
وكان فشل زوجة ولي العهد الأميرة "ماساكو" في إنجاب طفل ذكر، وما تبع ذلك من انتقادات وتدخلات من جانب وسائل الإعلام المحلية في شؤونها الخاصة، جعلها تعاني من ضغوط نفسية شديدة لم تتخلص منها إلا مؤخراً. بل إن الموقف استدعى إدلاء ولي العهد بتصريحات غير مسبوقة لمن كان في مقامه، أنحى فيها باللائمة على التقاليد الإمبراطورية المعقدة كسبب في متاعب زوجته.
والجدير بالذكر أن حصر خلافة الإمبراطور في ذريته من الذكور فقط سُن لأول مرة في دستور ميجي لعام 1889، الذي ظل معمولاً به حتى هزيمة البلاد في الحرب الكونية الثانية. وحينما وضع الدستور الحالي في 1947 تم التأكيد مجدداً على تلك المادة الدستورية، على الرغم من وجود سوابق تاريخية مخالفة. حيث يشير تاريخ الأسرة الإمبراطورية أن من بين 125 شخصية تناوبت بطريقة شرعية على العرش منذ الإمبراطور الأول "جيمو" في القرن السادس قبل الميلاد، كانت هناك ثمانية نساء، آخرهن الإمبراطورة "غو ساكوراماتشي"، التي اعتلت العرش في عام 1762 ثم تنازلت عنه لصالح ابن أختها الإمبراطور "غو موموزونو" في عام 1771.
وتضيف المادة الدستورية ذاتها أن المنحدرين الشرعيين من صلب الإمبراطور، هم فقط من يمكن اعتبارهم من الأسرة والسلالة الحاكمة. ومعنى هذا أن الإمبراطور وكل أعضاء الأسرة بما فيهم الأميرات اللواتي يفقدن صفة العضوية بزواجهن من العامة، ليس بمقدورهم تبني الأطفال. وهذا بدوره يعيق إمكانية لجوء إمبراطور عاقر أو غير منجنب للذكور إلى تبني طفل ذكر من ضمن الفروع البعيدة للسلالة الحاكمة ليخلفه على العرش. وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن الأسرة الإمبراطورية اليابانية تدين في محافظتها الطويلة على توارث الذكور للعرش إلى الزواج خارج الأطر الشرعية، وهو ممارسة لم تتوقف إلا منذ عهد الإمبراطور "تايشو"، الذي حكم ما بين عامي 1912 و 1926.
وهكذا غرق المجتمع الياباني، ولاسيما منذ العام الماضي، في نقاش طويل حول مستقبل العرش بين مؤيدين لإصلاحات دستورية تجعل ولاية العهد محصورة في أبناء الإمبراطور، بغض النظر عن جنسهم، وقوى محافظة تعترض على المس بما جرى عليه العرف طويلاً وتم تقنينه في دستور أقدم ملكيات العالم. وكانت الكفة مائلة بشدة في معظم الأحوال نحو الفريق الأول طبقاً لنتائج استطلاعات الرأي التي أُجريت في العام المنصرم والعام الجاري، وأن لوحظ في استطلاعات الآونة الأخيرة تراجع نسبة المؤيدين قليلاً بسبب حملات المحافظين القوية، والتي ركزت على المخاوف من احتمال أن يخرج العرش من يد السلالة المالكة في حال تنصيب أنثى وزواج الأخيرة من شخصية من العوام.
وفي يناير 2005 أقدم رئيس الحكومة "جونيتشيرو كويزومي"- المعروف بأجنداته الإصلاحية ودفاعه المحموم عن حقوق المرأة اليابانية في المساواة بالرجل، في مجتمع لا يزال، رغم كل ما حققه من نهضة وتقدم ورخاء، خاضعاً لهيمنة الذكور وممارساً لتقاليد تمييزية ضد المرأة في المناصب والرواتب– على خطوة جريئة تمثلت في تشكيل لجنة من القضاة وأساتذة الجامعات وكبار رجالات جهاز الخدمة المدنية لدراسة الموضوع وتقديم توصيات بشأنه. ولم يمض أكثر من عشرة أشهر حتى أوصت اللجنة بضرورة تعديل الدستور بشكل يتيح للأميرات من بنات الإمبراطور فرصة الصعود إلى العرش. وقد مثل هذا بطبيعة الحال انتصاراً للقوى الإصلاحية وعلى رأسها "كويزومي" الذي سارع إلى التعهد بتمرير قانون جديد في هذا الشأن بهدف ضمان الاستمرارية وتفادي أي شرخ أو أزمة في عرش الأقحوان مستقبلاً، وذلك قبل انتهاء الدورة التشريعية الحالية في يونيو القادم، وقبل أن يتخلى هو عن رئاسة الحكومة طوعاً في سبتمبر من العام الجاري.
غير أن الأسبوعين الماضيين شهدا تراجعاً في النقاش حول أزمة الخلافة، بل إن رئيس الحكومة نفسه بدا مفضلاً التريث في طرح م