بربك قل لي ماذا تفعل حين لا يحل الخير محله، وحين يصادف أهل السوء؟ ذاك هو السؤال الرئيسي الذي أثاره انتخاب ''حماس'' بأغلبية ساحقة في الجمعية التشريعية الفلسطينية، التي تؤدي القسم اليوم السبت 18 فبراير· والحقيقة أن هذه لحظة ذات حدين: فإما أن تكون فاتحة لمرحلة جديدة من التسوية أو الهدنة طويلة الأمد في تاريخ العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية، أو أن تفتح باباً لفوضى عارمة شاملة· وبما أننا بهلوانات يلعبون لعبة قذف القنابل اليدوية عالياً في الهواء وتلقيها الواحدة تلو الأخرى، فرجاء من الجميع التزام الحرص والامتناع عن أي حركات مباغتة!
ومن دون أن نغرق في أية أوهام، فمما لاشك فيه أن ''حماس'' تتحمل وزراً كبيراً من المسؤولية عن فظائع العنف الذي استهدف أرواح وحياة المدنيين الإسرائيليين· لذا فليست ثمة غرابة أن تنحو إسرائيل إلى الاعتقاد بأن السياسة الوحيدة الصحيحة الواجب اتباعها إزاء ''حماس''، هي مواصلة القتال ضدها حتى الرمق الأخير· ولكن هل ثمة حكمة أو ذكاء في تبني اعتقاد كهذا في الوقت الحالي؟ فإذا ما أرادت إسرائيل التخلص حقيقة من ''حماس'' أو على الأقل تجريدها من أسلحتها، فإن الوحيدين القادرين على فعل ذلك بدرجة عالية من الكفاءة والفاعلية، إنما هم الفلسطينيون أنفسهم ولا أحد سواهم· والسبب هو أنهم هم الذين انتخبوا ''حماس'' عبر منافسات ديمقراطية وحرة ونزيهة، طالما ألح الرئيس بوش على إجرائها·
وفيما لو قدر لـ''حماس'' أن تفشل في دورها القيادي الجديد هذا في السلطة الفلسطينية، فإنه لمن المهم أن يُنظر إلى ذلك على أنه فشل ذاتي إرادي، صنعته ''حماس'' بنفسها واختارته طوعاً وإرادة· والمقصود هنا بالطبع إخفاقها في التحول من تنظيم إرهابي، إلى جهاز للحكم، قادر على تحقيق الأمن والسلام وتوفير الحكم الصالح للفلسطينيين· وعلى ''حماس'' ألا تعلق فشلها بأي حال من الأحوال على شماعة التبرير القائلة إن واشنطن وتل أبيب لم تمنحاها الفرصة الكافية للحكم والقيادة· وفيما لو بدا واضحاً للفلسطينيين أن ''حماس'' قد لُويت ذراعها وأُرغمت على الفشل بسبب الضغوط الخارجية الممارسة عليها، فإن ذلك لن يسفر إلا عن فوز ساحق ثان للحركة في أي انتخابات فلسطينية تجرى في المستقبل· ذلك هو تعليق خليل الشقاقي، المختص بقياس الرأي العام الفلسطيني· وبهذه المناسبة، فإن علينا أن نثير السؤال التالي: في حال إرغام ''حماس'' على الفشل، فمن يجرؤ بعدها على مطالبة الفلسطينيين بإجراء أية انتخابات نزيهة وديمقراطية في المستقبل؟! لندرك إذن حقيقة أن دفع ''حماس'' في ذلك الاتجاه، لن يثمر إلا عن إطالة أمد النزاع وزيادة المنطقة اضطراباً على ما هي عليه من اضطراب أصلاً· ولهذا السبب، فإن من رأي خليل الشقاقي أن تتقبل كل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل حقيقة كون ''حماس'' جزءاً لا يتجزأ الآن من حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، بقيادة رئيس السلطة الحالي، محمود عباس ''أبومازن''، المعروف باعتداله وانفتاحه على فكرة التسوية السلمية مع إسرائيل· كما جاء على لسان الشقاقي قوله: ''نحن نريد أن نوفر لحماس سياقاً وطنياً فلسطينياً، تستطيع من خلاله توجيه أفكارها ومواقفها نحو الاعتدال، دون أن ترغم على ذلك من قبل كل من الغرب وإسرائيل''· وإذا ما قدر لـ''حماس'' أن تتغير وتبدل أفكارها ومواقفها المتطرفة، فإن السبيل الوحيد لذلك هو إرغامها على مواجهة حقيقة أن في وسعها تحقيق نتائج ومكاسب أكبر للفلسطينيين، عبر التفاوض مع إسرائيل، وليس من خلال القتال معها ومواجهتها عسكرياً· يجدر بالذكر هنا أن معظم استطلاعات الرأي العام الفلسطيني التي أجريت مؤخراً، تشير إلى أن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فوز ''حماس'' بالأغلبية الساحقة، هي تطلع الفلسطينيين إلى الأمن والنزاهة وصلاح الحكم، وليس تطلعهم إلى نمط ''الدولة الإسلامية''·
كما يشار أيضاً إلى أن كبار مسؤولي وقادة الحركة، بدؤوا يلمحون في حديثهم وتصريحاتهم إلى حاجة الحركة لمواجهة هذا التصادم القائم بين أيديولوجيتهم ومتطلبات الشعب الفلسطيني وتطلعاته· وكما قال لي ذلك اليوم في رام الله، فرحات أسعد، الناطق الرسمي باسم الحركة في الضفة الغربية ''مثلنا مثل غيرنا ندرك أن السياسة لا تبنى على المبادئ وحدها، وأنها تقوم بالقدر ذاته على المصالح أيضاً''· ولكن من يدري إن كانت هذه التصريحات تتوخى الصدق والحقيقة فعلاً؟ غير أن من المعلوم أن لإسرائيل مصلحة ما بعدها مصلحة، في اختبار قدرة ''حماس'' على البقاء والاستمرار في دورها القيادي السياسي الجديد· ذلك أن لإسرائيل مكسباً كبيراً تجنيه، فيما لو واصلت ''حماس'' التزامها بوقف إطلاق النار المبرم الآن، وفيما لو وضعت نصب عينيها، صلاح الحكم وبدء دعم التفاوض التكتيكي-غير المباشر- مع إسرائيل· وستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تمثيل الشارع الفلسطيني بأسره، بما فيه ''فتح'' و''حماس'' في المفاوضات، مما يعطي أي اتفاق يتم التوصل إليه، شرعية غير مسبوقة في تاريخ المفاوضات والاتف