في أوساط مجتمع في طور النمو كمجتمع الإمارات، لابد وأن ينشأ سؤال حول الثقافة وما الذي تعنيه، وأن ينشأ سؤال آخر مرتبط بطبيعة العلاقة بين التعليم والثقافة· إن الثقافة تعني في الاستخدام الدارج أفضل الإنجازات التي يتوصل إليها المجتمع في سعيه نحو النمو والتقدم والأخذ بأسباب الحضارة المعاصرة على صعيد الآداب والفنون والموسيقى· إن هذا التعريف ذو علاقة بالتداخل بين التعليم والثقافة، ولكن الأهم من ذلك هو أنه يملي علينا أن نعي بأنه رغم إتاحة العلوم الاجتماعية لنا الأخذ بالمعاني الدارجة للظواهر الاجتماعية إلا أنها تحتم علينا أيضاً الخوض في المعاني الحقيقية لهذه الظواهر بحثاً عن النظريات العلمية والتحليلات المنطقية والتفسيرات الصائبة لها·
وفي تقليد خاص به نظر ماكس فيبر (Max Weber) إلى العلوم الاجتماعية على أنها ''علوم ثقافية''! تهتم بالقيم والمعاني وبتطوير المقولات والتفسيرات ذات العلاقة بالمجتمع الذي تتبلور فيه· إن إحدى أطروحات العلوم الاجتماعية الحديثة هي أن المقولات والأفكار والعبارات والكلمات ونظم المعاني الأخرى المختلفة، تنبثق من الجماعة التي تعمل في وسطها· وفي إطار محتوى من هذا القبيل يمكن القول إن تطور واستخدام مقولة ''الثقافة'' ذو علاقة بالمعتقدات والقيم التي يتعلمها البشر عن مجتمعاتهم، والتغير الاجتماعي الذي تمر به، والمجتمع الفاضل الذي تسعى إلى إيجاده·
إن المنظومة التي تمر بمجتمع الإمارات الآن من تغيرات اجتماعية واقتصادية خاصة بالتحديث، جلبت معها سلسلة من المقولات والنظريات التي يحاول الباحثون والمتخصصون من خلالها شرح التغيرات الهيكلية الحاصلة، استناداً إلى حقيقة أن مجتمع الإمارات يمكن دراسته علمياً· وفي اعتقادنا أنه من خلال النظريات والمقولات التي سيخرج بها هؤلاء الدارسون، ستتطور العلاقة بين التخصصات المختلفة ذات العلاقة، وسيقوم كل تخصص منها باستخدام مقولة الثقافة بطرق متعددة· وعن طريق فحص بعض من تلك الطرق بالتفصيل نأمل أن يتمكن هؤلاء الباحثون، ونحن منهم، من توضيح بعض من القضايا والافتراضات والمشاكل الداخلة في تعريف ودراسة الثقافة والعلاقة المتداخلة بين الثقافة والتعليم·
إن التعليم ناقل رئيسي للثقافة، ومن مطالعة ما كتب حول الإمارات بهذا الشأن، يُستخلص بأن الحديث حول الثقافة الإماراتية هو نقاشات حول التعليم ومسيرته· وبالتركيز على طبيعة العلاقة بين المقولتين، نجد أننا نفترض بأن التعليم هو جسد مستقر من الشرح الذي يقوم به المدرس والتعلم الذي يتلقاه الطالب، وبأن المشكلة التي تنشأ عن ذلك هي مشكلة توزيع، إلا أن ذلك الافتراض يبدو لي مضللاً·
ويعود السبب في ذلك إلى أن محتوى التعليم هو الذي يعبر عن عناصر رئيسية محددة في الثقافة، والتي عادة ما تكون خاضعة لتفاوتات تاريخية كبرى· وبهذا المعنى، فإن ما يعتقد بأنه تعليم هو في الواقع اختيار محدد، ومنظومة من التأكيدات والإسقاطات· إن ما يعرف بأنه تعليم في الإمارات هو مختارات من ثقافتها المعاصرة ليس إلا، فالتعليم في الإمارات في هذه المرحلة له ثلاثة أهداف محددة·
تلك الأهداف هي تعليم سلوكيات وقيم المجتمع المقبولة وغرس المعرفة والتوجهات العامة المناسبة للإنسان المتعلم في أفراد المجتمع، وأخيراً تعليم المواطن مهارات يمكنه عن طريقها إيجاد وسيلة عمل يكسب قوت يومه منها· وبهذا المعنى فإنه إلى المدى الذي يكون فيه نمط الثقافة في مجتمع الإمارات مقبولاً في العموم، فإن التعليم في اتجاهها سيتم النظر إليه بأنه تدريب عادي يتحتم على جميع المواطنين الحصول عليه· ولكن عندما يكون المجتمع يتغير بسرعة، كما هو حال مجتمعنا، أو أن تتواجد بدائل للثقافة، فإن التعليم عندها يمكن أن يصبح ساحة صراع أيديولوجي تحاول ضمنها عناصر التقليدية المفرطة أن تفرض فكرها على عناصر التحديث والتقدم، وينتج عن ذلك أن يصبح التعليم عبارة عن تلقين قائم على حجب القدرة على التفكير المستقل لدى الناشئة مما يضر بالثقافة الاجتماعية أيما ضرر·