كانت واحدة من المقابلات القليلة تلك التي خص بها السلطان قابوس سلطان عُمان صحيفة السياسة الكويتية يوم السبت الماضي، فقد كان سبقا إعلاميا كويتيا حققه رئيس الصحيفة أحمد الجارالله بحصوله على تلك المقابلة النادرة، ولاشك أن اختيار الصحيفة يعبر عن احترام خاص للصحافة الكويتية·
كان سبقا لأن جلالة السلطان، والقيادة العمانية بوجه عام لا تكثر من الظهور الإعلامي، وفلسفتهم دوما أن نعمل أكثر مما نتكلم·
المقابلة حوت الكثير، ولم تحتو على كل شيء، فقد طغى عليها التواضع العماني الجم، وسيطر عليها الدخول في الجوهر، وتفادي قشور الكلام·
عُمان التي كانت قبل ثلاثة عقود دولة تعيش في العصور الوسطى، تعيش اليوم حالة متقدمة رغم شح الإمكانيات، وقلة الموارد، ولكنها تميزت بحسن الإدارة، وصدق الإرادة، فاكتملت اليوم بناها التحتية، وصار يشار لها بالبنان من حيث الاستقرار والأمن، وهما عاملان أساسيان لجلب الاستثمارات، وتشجيع السياحة والقطاع الخاص، وتلك ظاهرة آخذة في التسارع يوما بعد يوم·
كانت في عمان عام 1970 ثلاث مدارس فقط، أما عُمان في العام الدراسي 2004-2005 فقد حوت 1038 مدرسة وعشرين جامعة حكومية وأهلية ومعاهد وكليات عليا تحوي حوالي سبعمائة ألف دارس، والزائر للمنشآت العمانية التعليمية، يدرك من تجوله في أروقتها أنها لم تبن للديكور، ولا للتباهي، وإنما لتكون مصانع لتخريج وتدريب عمالة يستوعبها سوق العمل العماني، حيث يستوعب القطاع الخاص وحده اليوم 100 ألف عماني يعملون في مهن مختلفة دون تأفف من نوعية العمل أو طبيعته، وكان القطاع الخاص العماني يستخدم عشرة آلاف فقط من العمالة الوطنية العمانية قبيل سنوات قليلة·
ليست لعُمان اليوم أية مشاكل حدودية مع أي من جاراتها، وتعيش حدودها حالة من الهدوء والثقة المتبادلة مع جيرانها، لا أحد يستذكر أزمة دبلوماسية عمانية مع دولة ما، فعمان حافظت على قدرة وسطية في سياساتها الخارجية في منطقة تعج بالأزمات والحروب والصراعات، وهذه الميزة بحد ذاتها تعبر عن فلسفة فريدة يصعب تحقيقها في عالم السياسة، وبالذات في منطقتنا الملتهبة·
الوسطية العمانية في السياسة الخارجية هي انعكاس لحالة الوسطية الداخلية، فقد انتبهت عمان مبكرا لخطر التطرف والإرهاب، فسارعت قبل أن ''يقع الفاس في الراس'' -كما يقول المثل الشعبي، بامتصاص خطاب التطرف، والعمل بمنهجية على تلافي أخطاره مبكرا من خلال برامج ومناهج منظمة، شاركت في ترجمتها المدارس والمساجد ووسائل الإعلام، فكان أن صارت عُمان اليوم واحدة من الدول القلائل التي مزجت بين التراث والحداثة، وزاوجت بين القديم والعولمة، بتوازن يلمسه الزائر حتى في شكل المباني والعمارة، وفي تلقائية التعامل مع الناس في الشارع·
لا تفرح القيادة العمانية بالنفاق الإعلامي، بل تحاربه كما أشار السلطان في المقابلة حفاظا على احترام المؤسسة وتقدير الناس وولائهم لها، ولكن ما تحقق في عُمان اليوم يستحق الإشادة والتوقف عنده لتعلم الكثير·
ما جرى في عُمان حتى اليوم هو البدايات، فلدي المراقب شعور بأن عُمان قادمة، وبأن الكثير من الازدهار ينتظر مستقبل السلطنة، وكما يقول المثل الصيني: ''المعلم يفتح الباب، وعلى الطلبة الدخول''· ويمكن القول إن مرحلة البناء والاستقرار التي تحققت هي بمثابة فتح الباب، والقادم سيكون ازدهارا وانتعاشا لعُمان على كافة الأصعدة، وخصوصا في مجالي الاستثمار والسياحة، إذ تمتلك السلطنة مقومات هذين النشاطين من خلال الأمن المستتب، وسيادة القانون الذي يلحظ الزائر انضباطه حتى في حركة المرور، وجمال الطبيعة وعطاء الإنسان العماني·