في خضم ردود الأفعال المتضاربة الناتجة عن فوز حركة ''حماس'' في الانتخابات التشريعية الفلسطينية يعتبر رد عصام العريان، أحد قياديي جماعة ''الإخوان المسلمين'' في مصر التي تعتبر حركة ''حماس'' امتدادا لها، أكثرها دلالة وأهمية، رغم عدم اهتمام المراقبين بما جاء على لسانه· فمباشرة بعد فوز ''حماس''، أشاد عصام العريان بـ''الانتصار العظيم'' مستطردا أن على حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' أن تنهض بالتحدي الذي يواجهها والمتمثل في ''الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومات العربية والقوى العالمية من أجل تأمين الدعم للقضية الفلسطينية''· ويبدو أن الرسالة التي وجهها هذا المسؤول الأصولي إلى آخر من نفس التوجه واضحة لا لبس فيها، ويمكن تلخيصها في العبارة التالية: إياكم أن تخطئوا· إنها رسالة تحث ''حماس'' على مواصلة التعاون مع الحكومة المصرية والجامعة العربية التي تطالبها بنبذ العنف واحترام الاتفاقات السابقة التي أبرمها الفلسطينيون مع إسرائيل· والأكثر من ذلك مطالبة عصام العريان لـ''حماس'' بأن تحرص على تدفق المساعدات الأميركية والأوروبية والقطع نهائياً مع الهجمات الانتحارية·
والجدير بالملاحظة أن تصريح عصام العريان يقوض الفرضية الشائعة لدى واشنطن بأن جميع الحركات الإسلامية المتشددة سواء كانت ''حماس'' أو ''الإخوان المسلمين''، أو ''القاعدة'' و''حزب الله'' ما هي في الواقع سوى تنويعات للعدو نفسه الذي تحاربه الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر ·2001 لكن ما لا تفهمه واشنطن أن تصريح عصام العريان بشأن فوز ''حماس'' في الانتخابات الفلسطينية ودعوته لها إلى التعاون مع الغرب هو غير مرحب به من قبل أيمن الظواهري، نائب أسامة بن لادن، أو أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم ''القاعدة'' في العراق، ذلك أن كلا الشخصين انتقدا جماعة ''الإخوان المسلمين'' في مصر، ومن خلالها حركة ''حماس''، التي قبلت الانخراط في لعبة بوش الديمقراطية· وقد جاء هذا الانتقاد واضحاً على لسان الزرقاوي الذي قال ''كيف يمكن لأحد أن يختار طريقاً آخر غير الجهاد''·
والواقع أن استراتيجية بوش في الشرق الأوسط القائمة على دعم الديمقراطية من خلال تنظيم انتخابات حرة في كل من العراق ومصر ولبنان والأراضي الفلسطينية، ساهمت إلى حد كبير في توسيع الهوة بين مختلف التنظيمات الأصولية في المنطقة· فقد لجأ بعضها مثل جماعة ''الإخوان المسلمين'' في مصر والأردن إلى اعتناق الديمقراطية والتخلي عن أعمال العنف التي كانت تقوم بها في السابق·
ولا ننسى أن ''الإخوان المسلمين'' في مصر حصدوا 88 مقعداً في البرلمان المصري عقب الانتخابات الأخيرة مشكلين بذلك نسبة 20% داخل البرلمان· وفي الأردن ساهم ''الإخوان''، الذين سيشاركون عما قريب في الانتخابات المحلية، في تنظيم مظاهرات شعبية مناهضة للزرقاوي وتنظيم ''القاعدة'' بعد تفجيرات عمّان في شهر نوفمبر الماضي· وفي المضمار نفسه، تحاول اليوم كل من ''حماس'' و''حزب الله'' النأي بنفسيهما عن معسكر ''القاعدة'' من خلال المشاركة في الانتخابات البرلمانية ووقف عملياتهما العسكرية طيلة السنة الأخيرة، رغم رفضهما تفكيك قواتهما، أو نزع سلاحهما والتخلي عن العنف· وبسبب قبولها الانخراط في العمل السياسي، تتعرض التنظيمات الإسلامية لضغوط غير مسبوقة للاختيار بين نموذج عصام العريان، ونموذج الزرقاوي، وهو ما يعني إما مواصلة الدفع بأجندتها الإسلامية عبر العنف، أو اللجوء إلى صناديق الاقتراع·
ولأن ''حماس'' هي أول حركة إسلامية سُنية تفوز في الانتخابات التشريعية، فالخيار بالنسبة لها يكتسي أهمية خاصة، ذلك أن تبنيها للنهج الديمقراطي في كليته سيشكل ضربة قاسية لرعاة الإرهاب في الشرق الأوسط مثل ''القاعدة'' وسوريا وإيران·
وعلى ضوء المناورات متعددة الأطراف والمعقدة التي تلت الانتخابات الفلسطينية وما ترتب عنها تراقب إدارة بوش الخيارات المطروحة بعين حذرة· فمن جهة يقف ''صقور'' إسرائيل جنباً إلى جنب مع مؤيدي إسرائيل في الكونجرس الأميركي الذين يصرون على أن حكومة فلسطينية تقودها ''حماس'' ستكون ''كياناً إرهابياً''، أو ستتحول إلى ''حماستان'' كما يطلق عليها ذلك زعيم حزب ''الليكود'' بنيامين نتنياهو، مطالبين بمنع ''حماس'' من تسلم السلطة· ومن جهة أخرى تظهر إيران التي تدعم ''حماس'' وتناشدها الصمود في مواقفها والامتناع عن تقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل، مبدية استعدادها لتمويل السلطة في حال مقاطعة الغرب لها· أما مصر وباقي الحكومات العربية العلمانية، التي تعارض الديمقراطية والحركات الإسلامية على حد سواء، فتريد دعم رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس ليصبح الرجل القوي في السلطة· وفي الأخير تقف الدول الأوروبية التي من المرجح أن تخفف من لهجتها اتجاه ''حماس'' كما فعلت روسيا مؤخراً· ويذكر أن ''حماس'' نفسها منقسمة داخلياً بين أعضاء متشددين يعيشون في دمشق ومدعومين من إيران، وبين قادتها في غزة الذين فازوا في الانتخابات انطلاقاً من برنامج معتدل قائم عل