كان عام 2005 عام المشاركة السياسية والانتخابات بدفع وزخم أميركيين لدمقرطة عالمنا العربي الذي يعاني من نقص في المشاركة السياسية والديمقراطية· ذلك العام شهد حراكاً سياسياً وانتخابات من مصر إلى السعودية، ومن العراق الذي ذهب شعبه المحتل إلى صناديق الاقتراع ثلاث مرات إلى فلسطين التي خلط شعبها الأوراق مؤخراً بإيصال ''حماس'' إلى السلطة من المعارضة ليحرج الجميع بمن فيهم ''حماس''، وصولاً إلى الكويت التي منحت المرأة حقوقها السياسية، ولا ننسى تصريحات الرئيس اليمني الذي أعلن عزوفه العام الماضي عن ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة·
إذاً كان ذلك المشهد يلخص لنا عام ،2005 فإن عام 2006 من بدايته يبدو أنه حصاد لذلك المد السياسي والديمقراطي، مع الأخذ في عين الاعتبار أن المساعي الأميركية والإصرار على الديمقراطية في منطقتنا، يأتي بعكس ما تتمناه أميركا عبر وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر والسلطة الفلسطينية والعراق، وفي الدول التي ستجرى فيها انتخابات وسط خواء وعجز كاملين للتيار ''الليبرالي''، وآخره في الكويت، حيث تم إقصاؤه كلياً من الحكومة الكويتية التي تم تشكيلها الأسبوع الماضي·
ما يلفت انتباه المتابع للمشهد العربي خلال الأسابيع الماضية، هو ازدياد الحراك السياسي· ويلاحظ أكثر مع تغيرات جذرية في 4 حكومات عربية في الكويت والإمارات وسوريا واليمن· وسط الحديث عن عهد جديد ومحاربة الفساد، وخدمة المواطنين وإنجازات وبرامج إصلاحية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية·
إبراهيم الجعفري كاد يُقصى عن منصبه كرئيس لوزراء العراق، بفارق صوت واحد وبانتظار المشاورات لتشكيل حكومة محاصصة عراقية دائمة، تتبعها أو تسبقها حكومة ''حماس''، التي حتى قبل تشكيلها في أراضــي السلطـــة الفلسطينيـــة، بدأت أميركـــا وأوروبـــا وقبلهما إسرائيل بمحاربتهـــا ومعاقبتها بتغيير موقفـها ليرتفـع بذلـــك عـــدد الحكومـــات العربية الجديــدة والمعدلـــة إلــــى ســت وزارات، أو مــا يعادل 30 % من الحكومات العربية· في هذا الوقت، أحيى اللبنانيون الذكرى الأولى لرحيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وسط موج بشري، ومطالبة الرئيس اللبناني بالرحيل مما يزيد المشهد اللبناني تعقيداً على أكثر من جهة·
في محيطنا العربي حدثان بارزان يصبغان المشهد الاستراتيجي العربي، ويزيدان الصورة في منطقتنا احتقاناً وتغييراً· وصول الرئيس أحمدي نجاد وخطابه الثوري في إيران لإحياء الثورة الإيرانية، التي أكلت أبناءها وسط تصاعد حدة مواجهة حافة الهاوية إلى نقطة اللاعودة مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني مع بدء إيران تخصيب اليورانيوم· إضافة إلى خطب أحمدي نجاد الاستفزازية والمعادية لإسرائيل والمشككة في المحرقة· يُضاف لذلك استمرار المواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم دون التوصل لحل أبعد من ردات الفعل الإسلامي والتعصب العنصري الحاقد الغربي باسم حرية التعبير والنشر والرأي·
أما الحدث الإقليمي الاستراتيجي الثاني، فهو غياب شارون عن المشهد السياسي الإسرائيلي والإقليمي، وهو غياب يترك إسرائيل في صراع بين ''الليكود'' وحزب ''كاديما'' الذي أسسه شارون دون أن يقطف ثماره· وسط مزايدات وتهديدات وتعقيدات بين الطرفين ومزايدات حول التنازلات والانسحاب والمواجهة مع الفلسطينيين والعرب وإيران، تستعد إسرائيل للولوج في مرحلة ما بعد شارون مع انتخابات نهاية مارس القادم مثلما تجاوز الفلسطينيون مرحلة ما بعد عرفات ليسقطوا منظمته ''فتح''، مستفيدين من صناديق الاقتراع التي يصر عليها الأميركيون، والتي لا توصل سوى خصومهم للسلطة وتقصي حلفاءهم·
من الواضح، أن العالم العربي يعيش تحديات واضحة، ويصارع موجة التغيرات والتجديد، ولكن هل هذه التغيرات هي إصلاحات وتطوير أم في بعدها المهم هي ليست أكثر من استمرار للسياسات والنهج السابق دون تجديد؟