من الطبيعي جداً ونحن أمام هذا المشهد الإسلامي الغاضب من الإساءة التي تعرض لها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والذي سببته صحيفة ''يلاندز بوستن'' الدانمركية، والذي وصل إلى مساحة واسعة من الوطن العربي والإسلامي والعالم، أن نعيد النظر في الكثير من آليات العمل مع الغرب، وأهمها مسألة الحوار، حيث إن هذا الحادث كشف لنا بصورة واضحة عن الخلل الكبير الذي يعاني منه حوارنا مع الغرب وحوار الغرب معنا· وأقصد بذلك أنه رغم الجهود التي بذلت من الطرفين في هذا المسار منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي تمثلت في العديد من اللقاءات والمؤتمرات والندوات والأبحاث العلمية والفكرية والكتابات والرسائل التي أرسلها العديد من المثقفين العرب إلى مثقفي الغرب، والطلب الذي أرسله الستون مثقفاً ومفكراً أميركياً إلى المثقفين العرب والمسلمين، بهدف فتح حوار معهم، وما تبع ذلك من رسائل وخطابات ولقاءات متبادلة بين الطرفين، رغم هذه الجهود فإن حالة الحوار لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب، والدليل ما حدث في الأزمة الأخيرة·
السؤال المهم هنا: أين يكمن الخلل في هذه المسألة؟ وخاصة أننا نحن المسلمين يمثل الحوار في ديننا جزءاً من منهج الدعوة إلى الإسلام، ويمثل القرآن عندنا مدرسة كبرى في تعليم سياسة الحوار في أرقى مستوياتها، حيث يقول الله تعالى ''ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن''، ويقول في آية أخرى ''ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون''· الإجابة في تصوري تكمن في صورة العجز والقصور الذي يعاني منه العقل العربي والمسلم، في مسألة توصيل الرسالة الإسلامية والمعرفية والثقافية والحضارية بشكلها الصحيح، إلى الطرف الغربي الذي نتحاور معه، حيث إننا كمسلمين رغم إمكانياتنا المادية والثقافية والعلمية والمعرفية والحضارية والأخلاقية الهائلة، وعددنا الذي يصل إلى أكثر من مليار مسلم، لم نقدم للعالم حتى الآن صورة الإسلام وصورة رسولنا الكريم بشكلها الصحيح أو شكلها المطلوب منا تقديمه، لم نخطط بشكل دقيق لإيصال صوتنا وثقافتنا وصورتنا ورسالتنا الحضارية وقيمنا الأخلاقية الراقية إلى الطرف الآخر (الغربي) بالشكل المطلوب منا، لم نستخدم نفوذنا السياسي والقنوات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية التي تحكم العلاقة بيننا وبين الغرب بصورة صحيحة· ليس لدينا إعلام قوي يعالج هذه الإشكالية، لا زلنا ندرس الغرب بصورة عشوائية، لا توجد لدينا مراكز أبحاث علمية أكاديمية وثقافية متخصصة بحيث ندرس الغرب بمنهجية واضحة، لا يوجد عندنا جيل من ''المستغربين'' المتخصصين في علم الاستغراب الذين يمكن أن يساهموا بقوة في دراسة المجتمع الغربي، تاريخه·· ثقافته كما يحدث الآن على يد المستشرقين في الغرب·
الطرف الغربي هو الآخر يعاني في حواره معنا من إشكالية خطيرة، حيث إن تجارب الحوار معه كانت في غالبيتها تنطلق من منظور حوار القوي مع الضعيف، وأهم من ذلك أن لغة الحوار معه تخضع في سياستها لمفهوم ثقافة الحروب الصليبية وسياسة الاستعمار، وأبسط مثال على ذلك أن الإعلام الغربي لا زال يصر على تشويه صورة الإسلام وصورة العرب والمسلمين·
نحن العرب والمسلمين نريد أن نفهم الآخر وأن يفهمنا الآخر، نريد أن نتحاور معه ونتواصل معه على أسس مشتركة، أسس سليمة تقوم على التعايش البناء والتعاون الفعلي المستمر واحترام كل طرف خصوصية الطرف الآخر وخاصة أن الغرب ليس كله كتلة صماء، هناك في الغرب من يتعاطف معنا ويقدر حضارتنا ويحترم ديننا ورسولنا الكريم وقرآننا، ويرفض مبدأ التشويه· ويكفي أن استطلاعاً قام به موقع (CNN) أشار إلى أن أكثر من 91 في المئة يرفضون الإساءة إلى الرسول، وأن تقوم الصحف الأوروبية بنشر رسومات عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم· وسولانا مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي قال بعد لقائه برئيس منظمة المؤتمر الإسلامي د· أكمل الدين أغلو: إن الاتحاد الأوروبي سيبذل أقصى ما بوسعه لتجنب تكرار هذه الأزمة وإن الدول الإسلامية والأوروبية تحتاج إلى بعضها بعضاً· فهل تكون هذه الحادثة بداية جديدة لحوارنا الصحيح مع الغرب؟