أين الإمام الشافعي··· من كارل بوبر؟
نشرت هذه الصفحات يوم الثلاثاء الماضي مقالاً للدكتور أحمد البغدادي جاء تحت عنوان ''بين الشافعي وكارل بوبر''، خلص فيه كاتبه إلى أن كارل بوبر أكثر تواضعاً علمياً، معلناً قبل ذلك أن العقل الغربي هو ما يستهويه، ويستمتع بقراءته، في مقابل العقل العربي· ولاشك أن من حق الكاتب أن يقول رأيه بصراحة· غير أن المقارنة بين الإمام الشافعي وهو أحد الأئمة الأربعة، وبين فيلسوف غربي من الدرجة الثانية، هو كارل بوبر مقارنة مستفزة بكل المقاييس· فحسب رأيي أنا أنه لا وجه للمقارنة أصلاً، فالإمام الشافعي دائرة معارف، في علوم الفقه واللغة، والتاريخ، وكان بحراً لا ساحل له في علوم عصره، رغم أنه عاش في عصر كانت وسائل تحصيل المعرفة فيه محدودة للغاية· أما كارل بوبر فهو أستاذ فلسفة معاصر، ألمَّ بفتات متناثر وشذرات مبعثرة من هنا وهناك من دروس الفلسفة الغربية المعاصرة، لا أكثر ولا أقل· ولم يشتهر بوبر أبداً لا بالتواضع المعرفي ولا بالإبداع والأصالة في أفكاره· فأفكار بوبر وأبرزها نظريته عن ''نشأة وتكوين الثورات العلمية''، هي في الغالب الأعم مجرد استنساخ لنظرية ''القطيعة الإبستيمولوجية'' للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، مع إضافات شكلية من لودفينغ فتجنشتين ومدرسة الوضعية المنطقية· وليس هناك أي شيء جديد آخر في أفكار بوبر، يستحق أن يعلي من أمره الدكتور البغدادي بهذه الطريقة المبالغ فيها، وغير الموفقة حسب رأيي الخاص·
بقي أن المقارنة بين رجلين عاشا في زمنين تفصل بينهما أربعة عشر قرناً لا يمكن إلا أن تكون غير منصفة، وغير موضوعية· تماماً كما أن المقارنة بين العقلية الغربية والعقلية العربية هي أيضا غير منصفة، فلكل أمة ثقافتها وطريقتها في التفكير، ونحن العرب، هم أول من نظَّر في التواضع العلمي، وأدب المناظرة· هذا إضافة إلى أن الدكتور البغدادي أقام مقارنة بين كليمة واحدة قيل إن الشافعي قالها، دون أن يتشكك في صحة نسبتها إليه، كما يقتضي منهجه الديكارتي المفضل، في حين أخذ كليمة واحدة لبوبر، واختصر فيها أفكار الرجل المختلفة، وعمم الحكم من خلالها ليس على فكر بوبر فقط، بل وعلى الفكر الغربي برمته· ومثل هذا الاستدلال ليس فقط استقراءً ناقصاً وغير مقبول، بأي وجه، وإنما هو أيضاً تناقض تجبُّ المقدمات فيه النتائج وتصادرها من البداية، بالمعنى المنطقي للكلمة·
منصور زيدان- دبي