د· أحمد عبد الملك
في الدورة الثالثة للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي عقدت بالبحرين في نوفمبر ،1982 أقر قادة دول المجلس توصيات وزراء الدفاع في دول المجلس، الهادفة إلى بناء القوة الذاتية للدول الأعضاء، والتنسيق بينها بما يحقق اعتماد دول المنطقة على نفسها في حماية أمنها والحفاظ على استقرارها·
وحيث إن تلك الفترة من الثمانينيات، قد شهدت تداعيات عسكرية واضحة تمثلت في الحرب العراقية- الإيرانية، فإن نصوص بيانات القمم -آنذاك- لم تكن محددة، كون إيران متورطة بالحرب وكون دول المجلس تدعم العراق، لذا فإن البيانات الخاصة بالتعاون العسكري كانت تُصاغ بحذر ودقة حتى لا تشكل موقفاً عدائياً ضد إيران! وكان التركيز واضحاً على الاتفاقية الأمنية التي ترددت بعض الدول في التوقيع عليها حتى نهاية التسعينيات! وبقيت الصياغات لا تخرج عن ''إقرار'' توصيات وزراء الدفاع و''تعزيز'' القدرات الدفاعية الذاتية للدول الأعضاء·
وفي الدورة الثانية عشرة للمجلس التي عقدت بدولة الكويت في ديسمبر ،1991 بعد تحرير الكويت، تبنى القادة رؤية السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، فيما يتعلق باللجنة الأمنية العليا·
وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس التي عقدت بدولة الكويت في ديسمبر 1997 تم الإعلان عن خطوات أمنية لربط دول المجلس بشبكة الاتصالات المؤمنة، للأغراض العسكرية والتغطية الرادارية والإنذار المبكر والتمارين العسكرية·
وفي الدورة الحادية والعشرين التي عقدت بالبحرين، في ديسمبر 2000 تم التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس، على أن يتم التصديق عليها من قبل الدول الأعضاء حسب الإجراءات المتبعة في كل دولة·
وفي الدورة الثانية والعشرين التي عقدت بمسقط، في ديسمبر ،2001 تم تشكيل مجلس الدفاع المشترك، عملاً بالمادة التاسعة من الاتفاقية العسكرية·
والملاحظ أن كل الجهود التي بُذلت لم تحقق التعاون المنشود بين دول المجلس -في المجال العسكري- نظراً لحساسية الموضوع، ولوجود أزمات كانت تظهر من لحظة إلى أخرى -بين بعض دول المجلس- بسبب خلافات حدودية أو غيره· وهذا ما ''شكك'' في ضعف هذه القوة، واعتبارها رمزية، وليست للقتال· وحتى في مفهوم دورها ''الردعي'' لم تكن قوات درع الجزيرة لتتحرك هنا أو هناك، إذ لم تُسند لها أدوار أساسية في أحلك ظرف مرت به دول المجلس وهو احتلال الكويت!
وظلت قيادة هذا الجيش محل خلاف، ومن الناحية اللوجستية، فإن تحرك هذه القوات -وقت الأزمات- يمر بظروف صعبة، نظراً للدور السيادي لكل دولة، كما أن عدد جيوش الدول الأعضاء كلها لا يزيد على 400 ألف جندي، مما يُثير الشكوك حول القوة وقدرتها الدفاعية، وإمكانية تحولها إلى قوة هجومية! وضد من؟
ورغم أن دول الخليج قد أنفقت ما مجموعه 34 مليار دولار على التسلح عام ،2005 ورغم أن مداخيل النفط خلال الـ25 عاماً الماضية ذهبت في معظمها إلى الإنفاق على الأسلحة، والتي لم يتم استخدامها البتة، اللهم ما جرى في الكويت لمقاومة الاحتلال العراقي، أو خلال تحرير الكويت وعلى نطاق ضئيل جداً، حيث كان الدور الأول للجندي الأميركي في تلك المهمة، رغم ما قامت به جيوش مجلس التعاون في مناطق محددة على حدود الكويت·
ونظراً لظروف المنطقة والحساسيات التي لم يستطع المجلس تذويبها في مسيرة العمل المشترك، فإن ما طرحته الولايات المتحدة الأميركية -قبل فترة- برفع القدرات العسكرية لدول المجلس (بشكل منفرد)، ربما يدل على مدى ''التوجس''، وعدم نجاح التكامل العسكري· وهذا ينذر -إن لم يؤكد- على حقيقة التوجه نحو إلغاء قوات درع الجزيرة· من هنا تبدأ مرحلة جديدة في مسيرة مجلس التعاون، ستؤثر على مشاريع الحماية العسكرية التي أرهقت ميزانيات الدول، مثل شبكة الاتصالات المؤمنة، والتغطية الرادارية، والإنذار المبكر·
ومع التطورات الأخيرة، وما رشح من تسريبات، يبدو أن مجلس التعاون مُقبل على مرحلة جديدة، كما أن اختلاف اللهجة الإيرانية تجاه دول المجلس لا يبعث على التفاؤل بأن المنطقة قد تجاوزت طور الحذر السياسي، أو الاطمئنان الاستراتيجي، مع وجود القوات الأميركية في المنطقة· ومع الافتراض بأنه تم ''تفكيك'' قوات درع الجزيرة -بشكل أو بآخر- فإن حالة أخرى من حالات ''التوجس'' سوف تعيشها المنطقة، وذلك من خلال ردود فعل دول الجوار على التواجد الأميركي··· ناهيك عن الضغوط الداخلية في عدد من دول المجلس -نتيجة المطالبات العربية بضرورة رحيل القوات الأميركية من الأراضي العربية في الخليج· كما لا نستبعد أن يكون للرأي العام الأميركي دور في إعادة النظر في التواجد العسكري الأميركي في الخليج، بعد النتائج -غير المرضية- لهذا التواجد في العراق، وسقوط آلاف من الشباب الأميركي، لربما في قضية لا تهمهم، ولا تهم أمنهم القومي!
ومن استعراض هذه التطورات، نتوصل إلى نتيجة واضحـــة، وهـــي أن مجلــــس التعـــاون -الذي أنشئ لدواعٍ أمنية واضحة- ها هو اليوم ''يتبرأ'' من أهم عناصر تماسكه، ألا وهو المجال الد