الأرجح أن الذين اغتالوا رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق قبل عام بالتمام والكمال لم يتخيلوا أبدا أن غيابه عن الساحة، بهذه الطريقة، سيحدث كل هذه التغييرات والتقلبات التي توالت على مدى العام المنصرم·
لقد كانت القوة التفجيرية، المادية والسياسية، التي استخدمت في الجريمة البشعة من الضخامة، بحيث أنها لم تغير معالم المنطقة التي اغتيل فيها الحريري فحسب، بل أنها غيرت أيضا معالم منطقة الشرق الأوسط بأسرها وتحديدا فيما يخص المحيط اللبناني·
فعلى مدى عام كامل شهد لبنان وما جاوره، خاصة على الجانب السوري، تحولات عميقة لم يكن من الممكن تصور حدوثها على هذه النحو وبهذه السرعة·
صحيح أن ثمة اعتبارات إقليمية ودولية كانت تختمر طوال السنوات الماضية في اتجاه إعادة ترتيب أوراق الملف اللبناني بهوامشه السورية - والعكس صحيح - إلا أنه ما كان لهذه الاعتبارات أن تفعل مفعولها لولا الجريمة البشعة التي يتأكد اليوم كم كانت مروعة وبربرية ودامية·
فالمستهدف منها لم يكن الحريري بقدر ما كان لبنان وأمن المنطقة واستقرارها·
بل يجوز القول إن المستهدف منها بالأساس كان ما يمثله الحريري من قيم ومثل وتوجهات·
فقد كان الراحل الكبير نموذجا للاعتدال في زمن التشدد ورمزا للهدوء والتعقل في عصر الطيش والجنون وراية للاستقرار في قلب الاضطراب والعاصفة·
كان الحريري قبل ذلك كله رجلا عصاميا، ليس بالمعنى بالمالي فحسب ، بل - وهذا هو الاهم- بالمعنى السياسي·
فالرجل وصل لقمة المشهد السياسي اللبناني من غير الطرق التقليدية التي قادت العشرات غيره إلى المعترك السياسي في لبنان· فلا هو سليل أسرة عريقة تتوارث الوجاهة والسياسة جيلا بعد جيل ولا هو ابن تيار يتداوله المناضلون ولا ابن عشيرة تدفعه وتؤازره·
كان الرجل لبنانيا بجدارة وعروبيا مخلصا لدينه وسنيته · وربما كان هذا هو مصدر قوته وسبب مقتله في آن واحد·
لكن السحر انقلب على الساحر وها هم الذين كانوا يتمنون اختفاءه يتجرعون المتاعب الواحدة تلو الأخرى منذ غيابه·
غير أن أكثر ما يؤسف له الآن أن اللبنانيين يشعرون حاليا - بعد عام من رحيله- كم هم يفتقدون سياسيين لهم حسه العالي بالمسؤولية وحرصه على لبنان وعروبته واستقراره ومستقبله·