قد تكشف الأيام بأن يوم الأحد الماضي كان منعطفا في تاريخ مجلس الشورى السعودي· ففي ذلك اليوم أعلن المجلس، وفي خطوة غير مسبوقة تخليه الطوعي عن دوره لجهات رسمية أخرى· جاء ذلك في سياق مصادقة المجلس على النظام الجديد للمرور· يتضمن هذا النظام مواد جديدة تعكس التطور الذي حصل للمجتمع السعودي منذ صدور النظام السابق· من ذلك إنشاء محاكم مرورية تتولى البت في القضايا التي يحصل فيها خلاف، إلى جانب اعتماد نظام النقاط في سجل قائد المركبة· لكن المجلس من ناحية أخرى رفض الاعتراف بجوانب أخرى لتطور المجتمع عندما رفض توصية أحد أعضائه، الدكتور محمد آل زلفة، بتضمين النظام نصا يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة·
والحقيقة أن موقف المجلس تجاوز رفض التوصية إلى ما هو أكبر من ذلك، وهو تخليه طواعية عن دوره الدستوري في هذه القضية المهمة، والتخلي عن صلاحياته لجهات أخرى· ودور المجلس الاستشاري/ التشريعي يمنحه إياه النظام الأساسي للحكم، ونظام المجلس ذاته· وقبل تفصيل ذلك نتعرف أولا على موقف مجلس الشورى·
في ختام مصادقته على نظام المرور أصدر المجلس، وللمرة الأولى، بيانا توضيحيا، ومفصلا إلى حد ما يوضح الكيفية التي توصل بها إلى رفض توصية قيادة المرأة· وهذا أمر لافت من حيث أنه أولا يعكس أهمية الموضوع وحساسيته، ومن ناحية ثانية أنه هدف إلى حسم الموضوع وإغلاق باب النقاش حوله· يقول البيان، ''وفيما يتعلق بتوصية أحد أعضاء المجلس (لا يذكر البيان اسم الدكتور آل زلفة)، المتعلقة بقيادة المرأة للسيارة فإن المجلس تعامل معها وفق نظامه وقواعد عمله والإجراءات المتبعة··''· هل تعامل المجلس مع التوصية ''وفق نظامه'' بالفعل؟ نترك السؤال الآن· يضيف البيان ''قام نائب رئيس المجلس، محمود طيبة، وهو رئيس الجلسة التي قدمت فيها التوصية، بإحالتها إلى إدارة المستشارين (في المجلس)··'' لماذا؟ لأنه من الملائم، حسب البيان، الرجوع إلى هذه الإدارة حين يقدم بعض الأعضاء توصيات أو مواضيع صدرت فيها فتوى شرعية رسمية· وذلك لبيان الآلية والقواعد التي يمكن أن يتعامل بها المجلس مع الجهات الرسمية التي تصدر أحكاما وفتاوي شرعية، مثل هيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الأعلى ومفتي عام المملكة· جاء رأي إدارة المستشارين كما يلي: ''إن القضايا التي أسند ولي الأمر الاختصاص فيها إلى جهات محددة يتعين تركها لتلك الجهات، تجنبا لأي طعن في القرارات الصادرة عن المجلس لشائبة عدم الاختصاص· ومن باب أولى ما صدرت فيه فتوى شرعية من هذه الجهات الرسمية الشرعية، فلا يظهر أن لمجلس الشورى صلاحية النظر فيه ما لم يكن محالا من المقام السامي باعتباره مرجع السلطات·''
تبني المجلس لهذا الرأي يعني أنه تخلى عن دوره كهيئة استشارية يمنحها النظام حق المشاركة في عملية التشريع في قضية مطروحة أمامه· الأسوأ أنه أعطى دوره هذا لجهات رسمية أخرى من دون أساس قانوني· وقضية قيادة المرأة للسيارة قضية اجتماعية ملحة بدليل أنها، ولأكثر من ثلاثين سنة الآن، ظلت تفرض نفسها من حين إلى آخر، لكن من دون حل· وبما هي كذلك فإنها تنتظر تشريعا خاصا بها، تشريعا إما يسمح بها أو يرفضها على أساس نظامي واضح· ما فعله مجلس الشورى هنا أنه تهرب من مسؤوليته، واستخدم في ذلك آلية من داخله لتوفر له مخرجا للتهرب· وقد كان له ما أراد· من ناحية أخرى، يكشف البيان تشويشا داخل المجلس، وحالة من الارتباك القانوني حول من هي الجهة التي تملك حق التشريع في قضية اجتماعية مثل قيادة المرأة: هل هي مجلس الشورى؟ أم مفتي المملكة؟ أم هيئة كبار العلماء؟ أم مجلس القضاء الأعلى؟ لكن ماذا عن مجلس الوزراء، وهو السلطة الأولى التي تتولى عملية التشريع في المملكة؟ لاحظ الخلط هنا في رأي الإدارة الاستشارية للمجلس· فهيئة كبار العلماء تملك حق الفتوى، أو رأياً شرعياً، في الأمور المحالة إليها من الملك· ومن ثم فهي هيئة استشارية للملك· ومجلس القضاء الأعلى لا يمثل السلطة التشريعية، بل السلطة القضائية حسب النظام الأساسي للحكم· وبالتالي لا يملك دستوريا حق التشريع في مسألة قيادة المرأة للسيارة· لماذا إذاً حصر موضوع قيادة المرأة بهاتين الجهتين، واستثناء مجلس الشورى من ذلك، وفي الوقت نفسه تجاهل مجلس الوزراء؟
لم تحاول هذه ''الإدارة الاستشارية'' أن تستند في رأيها إلى النظام الأساسي للحكم، باعتباره المرجعية القانونية الأعلى في هذه الحالة· كذلك لم تستند في رأيها إلى نظام مجلس الشورى نفسه· والأغرب أن المجلس نفسه لم يأبه لذلك، وترك هذه المهمة الخطيرة لهيئة استشارية داخلية يبدو من رأيها أنها ترفض وبشكل مسبق فكرة قيادة المرأة للسيارة· وإذا صح هذا فإن رأيها لا يعبر عن نص وروح القوانين والأنظمة ذات الصلة، بقدر ما أنه يعبر عن ميول وقناعات أعضاء هذه الإدارة· ماذا تقول هذه القوانين عن دور مجلس الشورى؟
تحدد المادة السابعة والستون من النظام الأساسي للحكم اختصاصات السلطة التنظيمية (التشريعية) كما يلي: ''تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة