ما بين آمال السودانيين في يوليو الماضي، لدى بدء تطبيق اتفاق السلام في الجنوب وعودة القائد السابق للتمرد الراحل جون غرنغ، ومشاعر الخيبة والإحباط التي تسيطر على الشارع السوداني هذه الأيام، فروق وتباينات ذات دلالات بالغة السلبية فيما يخص إمكانيات المسار الاندماجي للوطنية السودانية!
ولعل أجواء الشك والريبة التي أخذت تخيم في وقتنا الحالي على الأوساط الشعبية والسياسية في شمال السودان، مردها الأساسي هو التفاؤل المفرط بإمكانية التعايش والثقة الزائدة حيال شركاء الوطن الجنوبيين، باعتبار أن مرحلة تاريخية جديدة أشرعت أبوابها في وطن يسع الجميع كي يجعلوا نصف قرن من الخصومة والصراع وراء ظهورهم إلى الأبد·
وعلاوة على تلك النوايا البريئة والطيبة والمفرطة أيضا، فربما كان السبب الرئيسي الآخر هو المواقف والتصريحات والإجراءات الصادرة عن قادة الجنوب ومسؤولي حكومته في الآونة الأخيرة؛ بما في ذلك التصريحات المفاجئة التي أطلقها النائب الأول لرئيس الجمهورية سيلفا كير ضد شركائه في الحكم (من الشماليين)، حين اتهمهم بالمماطلة في تنفيذ اتفاقيات ''ماشاكوس''، دون أن يحدد وجه المماطلة أو التقصير في هذا الشأن! وهي تصريحات كان لها وقعها السيئ على الجانب الآخر، إذ رأى أنه كان من الأجدر بسيلفا كير أن يدلي بملاحظاته تلك داخل الأطر والهيئات المعنية وليس تصديرها بهذا الشكل المفتعل إلى وسائل الإعلام·
ثم سرعان ما جاءت زيارة ربيكا غرنغ إلى واشنطن ولقاؤها بالرئيس الأميركي في البيت الأبيض، لتضفي بعدا آخر على ما أصبح يساور الشماليين من شكوك حول جدية ''الالتزامات الوحدوية'' للقادة الجنوبيين· فزيارة أرملة العقيد غرنغ تمت بتنسيق من حكومة الجنوب، ولم تشارك في ترتيبها لا وزارة الخارجية السودانية ولا سفارة الخرطوم في واشنطن، مما شكل خرقا واضحا لاتفاقيات السلام التي تكل السياسة الخارجية إلى الحكومة المركزية في الخرطوم!
من هنا يطرح السؤال الملح نفسه: هل ما يقوم به القادة الجنوبيون الأعزاء، منذ ماشاكوس وإلى الآن، ليس أي شيء آخر غير تطبيق مرحلي لأجندة الانفصال وإعلان الدولة على ذلك الجزء العزيز من أرض السودان؟!
خليفة النور- أم درمان