الديمقراطية هي البديل
في مقاله ''الاشتراكية والإسلام'' المنشور في هذه الصفحات يوم السبت الماضي اجتاحت الدكتور حسن حنفي، على ما يبدو، موجة نوستالجيا وحنين، إلى أيام الخمسينيات والستينيات، فراح يعيد التذكير ببعض أكثر مقولات اليسار العالمي يومها طوباوية ولا واقعية، من قبيل المزاوجة بين الاشتراكية والإسلام، وعبارات الثورة وحرق المراحل وحركات التحرر العالمثالثية، وكأن شيئاً من ذلك ما زال وارداً الحديث عنه اليوم· غير أن المفاجأة ليست هنا فقط، في مقال الكاتب، بل إنه راح ينظر لعودة مثل تلك الأيام الآن من خلال بزوغ قوة الحركات الدينية في الوطن العربي من جهة، وبزوغ اليسار الاشتراكي في أميركا اللاتينية ابتداء من ''لولا'' في البرازيل، وشافيز في فنزويلا، وموراليس في بوليفيا، مرجحاً احتمال تعاضد الاتجاهين معاً من جديد لتكوين قوة عالمثالثية تقف في وجه الإمبريالية الأميركية، وتوقفها عند حدودها· وعلى رغم ما في هذا الكلام من لاواقعية، فإنه قد يدغدغ مشاعر بعض القراء ممن لا ينظرون إلى المشهد العالمي الحالي بكل تعقيداته وتناقضاته، في مجمله·
والحقيقة حسب رأيي الخاص، أن التناقض بين الحركات الإسلامية والاتجاهات الدينية بصفة عامة، وبين اليسار الاشتراكي والشيوعي ربما تكون أعمق بكثير من التناقضات القائمة من كل من الطرفين على حدة وبين الإمبريالية الأميركية· والأمل الوحيد في وقف التغول الأميركي ليس في تحالف المتناقضين، على هذه الشاكلة، وإنما في ظهور حركات مد ديمقراطي في العالم الثالث، فلا يفل الحديد إلا الحديد، ولا سبيل لمواجهة الغول الديمقراطي الأميركي والغربي بصفة عامة، إلا بدمقرطة مجتمعاتنا· وعندما تصبح مجتمعاتنا ديمقراطية ننزع من يد الإمبريالية الأميركية أهم ورقة في يدها وهي الزعم بأن لها رسالة تسديها لشعوبنا، وهي في الحقيقة تتلفع بمثل هذا الزعم لتخفي مصالحها الخاصة، وتنكرها المستديم لأبسط مقومات العملية الديمقراطية، والدليل على ذلك الديكتاتورية التي تمارسها الإدارة الأميركية في مجلس الأمن، وعدم اتباعها أساليب ديمقراطية في تسيير المنظمة الدولية·
منصور زيدان- دبي
نوايا وحدة أم أجندة انفصال؟!
ما بين آمال السودانيين في يوليو الماضي، لدى بدء تطبيق اتفاق السلام في الجنوب وعودة القائد السابق للتمرد الراحل جون غرنغ، ومشاعر الخيبة والإحباط التي تسيطر على الشارع السوداني هذه الأيام، فروق وتباينات ذات دلالات بالغة السلبية فيما يخص إمكانيات المسار الاندماجي للوطنية السودانية!
ولعل أجواء الشك والريبة التي أخذت تخيم في وقتنا الحالي على الأوساط الشعبية والسياسية في شمال السودان، مردها الأساسي هو التفاؤل المفرط بإمكانية التعايش والثقة الزائدة حيال شركاء الوطن الجنوبيين، باعتبار أن مرحلة تاريخية جديدة أشرعت أبوابها في وطن يسع الجميع كي يجعلوا نصف قرن من الخصومة والصراع وراء ظهورهم إلى الأبد·
وعلاوة على تلك النوايا البريئة والطيبة والمفرطة أيضا، فربما كان السبب الرئيسي الآخر هو المواقف والتصريحات والإجراءات الصادرة عن قادة الجنوب ومسؤولي حكومته في الآونة الأخيرة؛ بما في ذلك التصريحات المفاجئة التي أطلقها النائب الأول لرئيس الجمهورية سيلفا كير ضد شركائه في الحكم (من الشماليين)، حين اتهمهم بالمماطلة في تنفيذ اتفاقيات ''ماشاكوس''، دون أن يحدد وجه المماطلة أو التقصير في هذا الشأن! وهي تصريحات كان لها وقعها السيئ على الجانب الآخر، إذ رأى أنه كان من الأجدر بسيلفا كير أن يدلي بملاحظاته تلك داخل الأطر والهيئات المعنية وليس تصديرها بهذا الشكل المفتعل إلى وسائل الإعلام·
ثم سرعان ما جاءت زيارة ربيكا غرنغ إلى واشنطن ولقاؤها بالرئيس الأميركي في البيت الأبيض، لتضفي بعدا آخر على ما أصبح يساور الشماليين من شكوك حول جدية ''الالتزامات الوحدوية'' للقادة الجنوبيين· فزيارة أرملة العقيد غرنغ تمت بتنسيق من حكومة الجنوب، ولم تشارك في ترتيبها لا وزارة الخارجية السودانية ولا سفارة الخرطوم في واشنطن، مما شكل خرقا واضحا لاتفاقيات السلام التي تكل السياسة الخارجية إلى الحكومة المركزية في الخرطوم!
من هنا يطرح السؤال الملح نفسه: هل ما يقوم به القادة الجنوبيون الأعزاء، منذ ماشاكوس وإلى الآن، ليس أي شيء آخر غير تطبيق مرحلي لأجندة الانفصال وإعلان الدولة على ذلك الجزء العزيز من أرض السودان؟!
خليفة النور- أم درمان
أخطاء التحالف
بعد احتلال العراق ارتكبت القوات الحليفة وبعض قوات وزارة الداخلية العراقية انتهاكات رهيبة ضد العراقيين، لا تقل بحال، إن لم تكن تزيد، عن الانتهاكات التي تقول الدول التي قامت باحتلال العراق إنها قد جاءت لإنقاذ الشعب منها· فبالإضافة إلى الانتهاكات المروعة في سجن ''أبوغريب''، ووقائع التعذيب في أقبية وزارة الداخلية في بغداد، وإطلاق النار على الجرحى الأحياء في أحد مساجد الفلوجة -وما خفي كان أعظم- يجيء الاعتداء الوحشي بالضرب الذي رأيناه على شاشة ال