وفقا لمصادر مطلعة فإن الميزانية العسكرية الأميركية للسنة المالية 2007 ستصل حسب التقديرات الأولية إلى الرقم 439,3 مليار دولار· وهذا الرقم لا يشمل مبلغ الـ 120 مليار دولار الذي يمثل التكلفة الفعلية للحرب التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً· وعلى الرغم من الحجم الهائل لميزانيتنا العسكرية، فإنها لا تعالج أهم التهديدات الموجهة لأمننا القومي بشكل كاف·
في أعقاب 11/،9 كان من المنطقي أن تتم زيادة الإنفاق الدفاعي للتعامل مع التهديدات التي تواجهنا، وللمحافظة في الوقت ذاته على استمرار البرامج الدفاعية القائمة· كان ذلك منطقياً في وقته، ولكنني بعد أن عملت في مجال الاستراتيجية والموارد الدفاعية في ''البنتاجون'' ومجلس الأمن القومي الأميركي على امتداد العقد الأخير، أصبحت مقتنعاً الآن بأن ذلك كان خطأً؛ فالشيء الذي كان مفروضا أن يتم آنذاك، هو أن تقوم وزارة الدفاع بالمفاضلة بين ما كانت تحبذ القيام به، أي الاستمرار في استخدام منظومات الأسلحة القائمة، وما أصبحت الأمة الأميركية بحاجة ماسة إليه، أي قوة خفيفة الحركة قادرة على الدفاع السريع ضد الإرهابيين، ولكن زيادة الميزانية العسكرية بنسبة 35 في المئة في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر جعلتها تشرع في تحقيق الهدفين معاً·
ولكي نعرف مدى ضخامة ميزانية البنتاجون يكفي أن نعرف أن تلك الميزانية تزيد عن مجمل ميزانيات الدفاع للدول الثمانية عشر التالية في الترتيب· ليس هناك ما يدعو للاستغراب بطبيعة الحال في أن يكون الإنفاق الدفاعي الأميركي هو الأعلى في العالم، ولكن ضخامة الإنفاق هذه إذا ما قارناها بطبيعة الأعداء المحتملين تعني أننا نحقق أهدافنا بتكلفة زائدة عن الحد· فالفارق بين ما يتكلفه تنظيم ''القاعدة'' مثلاً كي يشن هجوماً إرهابياً، وما ننفقه نحن لمنع ذلك الهجوم والتعامل معه هائل بصورة يمكن معها القول إننا سنتكبد تكاليف بالغة الضخامة في أي حرب طويلة الأمد نخوضها مستقبلاً· التحدي الأساسي الذي يواجه القوى الكبرى الساعية إلى الهيمنة هو تجنب التمدد الزائد عن الحد، والذي يمكن أن ينتج عن تصديها للقيام بالتزامات تفوق قدرتها الحقيقية· كان هذا هو ما انتبه إليه الرئيس ''ايزنهاور'' في عقد الخمسينيات حيث فرض حداً أعلى على الزيادة في الإنفاق الدفاعي في عهده لأنه كان يرى أن القوة العسكرية ليست سوى عامل واحد من العوامل اللازمة لكسب الحرب الباردة، وأن دورها يقتصر على كونها عنصرا رادعا يؤدي إلى تجميد الصراع مع العدو·
وزارة الدفاع الأميركية استكملت في الآونة الأخيرة ما يعرف باسم ''المراجعة الدفاعية الرباعية'' (التي تتم كل أربعة أعوام)، وهي إطار عريض للتغييرات المطلوب إجراؤها في الميزانيات العسكرية في مرحلة ما بعد 11/·9
عندما جاء الرئيس بوش إلى سدة الحكم عام 2001 كانت لديه أجندة جريئة للإصلاح، تعتمد على استخدام التقنيات المتطورة، والابتكارات، للمحافظة على تماسك وصلابة القوات الأميركية، وإبعادها عن المخاطر، وذلك بالأسلحة الفائقة الدقة التي تسمح لهذه القوات بالتحرك بسرعة تفوق قدرة جيوش العدو على رد الفعل· كما وعد الرئيس في ذلك الوقت أيضاً بزيادة رواتب ومزايا الضباط والجنود، وإنفاق 20 مليار دولار على الأبحاث والتطوير، وتخصيص 20 في المئة من مخصصات المشتريات لشراء التقنيات الفائقة التطور· بيد أن المؤسف هو أن الإدارة الأميركية لم تتمكن من الوفاء ببعض تلك الوعود؛ فرامسفيلد لم يلغِ سوى برنامجين رئيسيين هما: برنامج مدفعية ''كروسيدر'' الذاتية الدفع وبرنامج الطائرات العمودية من نوع ''كومانشي'' في الوقت الذي احتفظ فيه بالطائرات إف- 22 المصممة للتعامل مع نمط من التهديدات لم يعد قائماً· علاوة على ذلك لم يقم البنتاجون بتخصيص 20 في المئة( ولا حتى نسبة قريبة منها) كميزانية لشراء البرامج البديلة(أحدث ثلاثة برامج يتم تنفيذها حاليا كان اثنان منها قيد التنفيذ قبل ،2001 وهما برنامج المركبات الجوية غير المأهولة، وطائرات الإبرار البحري العالية السرعة، والبرنامج المعروف باسم'' منظومة القتال المستقبلي'') ·
رامسفيلد يسخر من خصومه ويتهمهم بأنهم ديناصورات ينتمون إلى العصر الصناعي ولكن هذا تحديداً هو الوصف الذي يمكن إطلاقه على من يتبعون النهج الذي تم على أساسه اعتماد آخر الميزانيات الدفاعية الأميركية·
فهذا النهج يعمل على مواصلة تنفيذ برامج أصبحت قديمة وعتيقة الطراز خصوصاً بعد التطورات التكنولوجية والابتكارات الحديثة والتجربة الميدانية التي خاضتها القوات الأميركية· وعلى الرغم من تسليمنا بصعوبة تخفيض الإنفاق الدفاعي عندما تكون البلاد في حالة حرب، علينا معرفة أن هذا التخفيض ضروري لأنه هو الذي سيمكننا من التكيف مع التحديات الأمنية التي تواجهها بلادنا في عصر الإرهاب·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''