متى أصبحت خبيراً نفطياً؟
لفت نظري أن معظم مقالات الكاتب الأميركي الشهير توماس فريدمان في الآونة الأخيرة كلها عن النفط، وضرورة استغناء أميركا عن نفط الشرق الأوسط، وهذا بالضبط ما عاد إليه، للمرة الألف، في مقاله ''حجج تشيني الواهية··· ضد ضريبة البنزين''، المنشور في هذه الصفحة يوم 9 فبراير الجاري، متحسراً على أن بلاده لم تتوجه بشكل نهائي إلى مزارع السكر وحرق النباتات الخضراء لتستغني بها عن النفط· ومع أن هذه المسألة أصبحت هاجسا شخصيا على ما يبدو لدى فريدمان فإن المفاجئ في الأمر هو الطريقة العجيبة التي تحول بها هذا الصحفي إلى خبير نفط، ومنظِّر للطاقة البديلة، لا حديث له سوى عن الإيثانول والطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى آخر ما هنالك· وما يدفع فريدمان إلى إدمان التحريض على التخلي عن النفط كمصدر للطاقة ليس على الأرجح أنه يفهم في هذه المسائل فهو كاتب سياسي ولا علاقة له بالأمور التقنية ولا بمجال الطاقة، لا من قريب ولا من بعيد، وإنما يمتطي فقط صهوة هذه القضية للتحريض ضد منطقة الشرق الأوسط، وللتنفيس على ما يبدو عن مشاعره الدفينة ضد مصالح الوطن العربي· وما لا يتعرض فريدمان لذكره، كثيراً في المقابل، هو أن العالم لو استغنى عن نفطنا العربي واعتمد الإيثانول فإن البشرية ستعود إلى القرن التاسع عشر، لأن المحركات ستكون بطيئة، وطاقة الدفع ستكون بدائية، ثم إن المصادر النباتية للطاقة من شأنها أن ترفع بشكل جنوني أسعار المواد الغذائية كالسكر والقمح، وستخصص ملايين الأفدنة الخصبة لزراعة ''بنزين فريدمان'' هذا بدل الأرز والشعير ومصادر الغذاء لبني الجنس البشري الذين يتضورون جوعاً في الكثير من الدول الفقيرة·
إن ما يدعو إليه فريدمان خطير جداً، على منطقتنا العربية، لأنه سيحرمها من أهم مصدر من مصادر دخلها، ولذلك علينا نحن أيضا أن ننوع من دخلنا وأن نستعد لمرحلة ما بعد النفط، لا سمح الله، حتى إذا استغنوا عن نفطنا، نكون نحن أيضا قادرين على الاستغناء عن مداخيله، وأيضا نكون في غنى عن صناعات الدول المتقدمة باهظة التكلفة بالعملة الصعبة، وذلك بتطوير صناعاتنا وتنويع مصادر دخولنا الوطنية العربية·
منصور زيدان- دبي