تبلي وكالة المخابرات المركزية الأميركية بلاءً حسناً في مجال اختصاصها وعملها، في الحرب على الإرهاب· غير أننا بتنا مهددين الآن بخسارة معركة أخرى لا تقل أهمية، ألا وهي حماية المعلومات السرية· تعبيراً عن هذه الحقيقة وتأكيداً لها، قال القاضي لورانس سيلبرمان -رئيس لجنة الرئيس بوش المختصة بأسلحة الدمار الشامل- إنه ذهل أيما ذهول لذلك الضرر الفادح الذي لحق بأهم ثرواتنا القومية الاستخباراتية، نتيجة للتسريب غير المسؤول للمعلومات السرية الحساسة· وجاء في التقرير الذي رفعته اللجنة عن عملها في شهر مارس الماضي، أن أميركا قد تكبدت خسائر مالية تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، بسبب إفشاء المعلومات الاستخباراتية السرية، في حين تربو التكلفة الأمنية للسلوك نفسه، على الخسارة المالية أضعاف المرات! ويكمن جزء من المشكلة هنا، في ذلك الخلط الذي حدث بين مفهوم ''نافخ الصفارة'' الذي يسرب قدراً ضئيلاً جداً من المعلومات السرية بقصد حمايتها، وأولئك الأشخاص الذين يتعمدون انتهاك القانون ويتهاونون في إفشاء المعلومات السرية التي لا يجوز الكشف عنها·
وخلال عضويتي في الكونجرس، كنت قد رعيت في عام 1998 ''قانون حماية نافخ الصفارة'' الخاص بالوكالات والهيئات الاستخباراتية، ضماناً لحق العاملين السابقين أو الحاليين في تلك الوكالات في رفع دعاوى إلى الكونجرس -عقب تعبيرهم عن قلقهم على حماية سرية المعلومات الاستخباراتية في الوكالات والهيئات التي يعملون بها- فيما إذا شعروا بأي انتهاك أو خطر على سرية تلك المعلومات· وفي ممارسة الأفراد المعنيين لهذا الحق، ضمان ومسؤولية كبيرة إزاء رفع أي شكل من أشكال الممارسات والانتهاكات التي تهدد سرية المعلومات إلى الكونجرس، الذي تقع عليه مسؤولية الإشراف العام على كافة الوكالات والهيئات الاستخباراتية· وقد آتى هذا القانون مفعوله وثماره، إذ حالما استخدمه الموظفون الحكوميون واتبعوا كافة الإجراءات القانونية التي نص عليها -بما فيها القنوات الداخلية للأجهزة والوكالات التي يعملون فيها- لتعقب وتصحيح عدد لا يحصى من الانتهاكات وإساءة استخدام المعلومات، دون أن يتعرضوا للمساءلة القانونية جراء ''نفخهم للصفارة''، في الوقت ذاته الذي صانوا فيه حماية سرية المعلومات الاستخباراتية الحساسة، ذات الأهمية البالغة لأمننا القومي·
وبالمقارنة فإنه يتعذر وصف أولئك الذين يلتفون على القانون، ويتجهون إلى الصحف مباشرة، بالنبل أو النزاهة أو الوطنية· ولذلك فإنهم أبعد من أن يوصفوا بأنهم ''نافخو صفارة'' بالمفهوم الاستخباراتي الدقيق للعبارة· بل الصحيح وصفهم بأنهم يرتكبون انتهاكاً صريحاً وصارخاً ضد القانون، وأنهم يعرضون حياة أعداد لا تحصى من المواطنين الأميركيين للخطر· كما أنه ليس من الضمير ولا الأخلاق في شيء، أن يستسهل المرء المخاطرة بسرية المعلومات المصنفة ذات الصلة المباشرة بأمننا الوطني، ثم يسعى لاحقاً لحماية نفسه من المساءلة والمحاسبة بقانون ''نافخ الصفارة''·
وكما نعلم فإن بلادنا تواجه اليوم عدواً سافراً يتعطش للعنف والقتل والدماء· وما لم نكن على درجة من القدرة والكفاءة في الحصول على المعلومات السرية عن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، عبر وسائلنا ومصادرنا الخاصة، فسنكون نحن وحلفاؤنا عرضة لأبشع جرائم العنف الدموي المتطرف داخل وخارج حدود بلادنا· وفي هذا الشأن فقد نجحت ''سي· آي· إيه'' في شل حركة الكثير من الإرهابيين منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر· وفي إطار ملاحقتنا للعدو، فقد رضينا ووضعنا على عاتقنا كجنود وضباط استخباراتيين، تلك المسؤولية الجسيمة عن التصدي لمهام العمل المعلوماتي السري، في سبيل الحفاظ على أمن وسلامة وازدهار مجتمعنا المفتوح الحر· ولذلك فإننا ندرك جيداً مدى خطورة الكشف غير المسؤول وغير المصرح به عن المعلومات السرية المصنفة، على دورنا في حماية أمن هذا المجتمع وسلامته·
وإن في نشر المعلومات عن فشلنا أو نجاحنا في العمل الاستخباراتي -وبصرف النظر عن دقة أو عدم دقة تلك المعلومات- ما يفيد تنظيم ''القاعدة'' وغيره من التنظيمات والشبكات الإرهابية المرتبطة به، بعدة طرق وأشكال· فما أثمن تسرب المعلومات في نظر هؤلاء، حتى حين تكون تأكيداً متسرعاً لنجاة أو مقتل أحد قادتهم وجنودهم في عملية استهدفته· وأقل ما يفيد فيه هذا التسريب، أنه ينبه الإرهابيين إلى التكنولوجيا الاستخباراتية الجديدة التي نستخدمها ضدهم، وإلى التكتيكات التي نتبعها في عملياتنا، علاوة على كشفه عن هويات أولئك الرجال والنساء الشجعان، الذين خاطروا بأرواحهم وحياتهم في سبيل مساعدتنا عليهم·
وبالقدر ذاته، فإن من شأن التسريب غير المسؤول ولا المصرح به للمعلومات السرية الحساسة، أن يثير تساؤلات شركائنا الاستخباراتيين المنتشرين حول العالم، عن مدى مهنيتنا وحرفيتنا ومصداقيتنا في أداء دورنا وعملنا معهم· وليس أدل على ذلك مما ردده على مسامعي الكثير من قادة الأجهزة الاستخباراتية الدوليين بقولهم ''مشكلتكم أيها الأميركي