تتوالى ردود الأفعال الغاضبة على الرسوم المشينة التي تم نشرها في بعض صحف الغرب، وهي تسيء إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم· إن الموقف المبدئي من ذلك هو رفض كل ما يسيء إلى رسولنا وإلى الإسلام كعقيدة، لذلك لابد من التصدي لمثل هذه الحملات المشينة والمغرضة· ولكن السؤال هو: كيف يمكننا ذلك وما هي الوسائل العملية والمنطقية التي تتوافر لدينا لتحقيق أهدافنا المحددة تجاه ذلك؟
إن ما حدث حتى الآن من ردود أفعال ارتجالية، واسمحوا لي أن أقول إنها في العديد من الأحوال غوغائية، ليست هي الطريقة الصحيحة لمعالجة مثل هذه الأمور الحساسة جداً بالنسبة لنا كعرب ومسلمين على مدار العالم· إن ما حدث من حرق وتدمير لسفارات وقنصليات بعض الدول الأجنبية، وتهديد مواطنين أجانب أبرياء يعيشون بين ظهرانينا، والتهديد بمقاطعة السلع والخدمات الآتية من بعض الدول، وحرق أعلام هذه الدول ودوسها بالأقدام، تقع جميعها في خانة ردود الأفعال غير الحضارية· إن ما حدث أمر أعمق وأهم، وردنا عليه يجب أن يكون بنفس العمق والأهمية·
إنني كعربي ومسلم، لا أقر بما حدث، ولكن في نفس الوقت أضع باللائمة على بني قومي وديانتي بسبب عدم قدرتهم حتى الآن على تقديم أنفسهم ودينهم وثقافتهم بالصورة الملائمة التي تجعل المِلل الأخرى تحترمها وتحترم أصحابها وتعلم أن من يحملها وينادي بها هي شعوب وأمم ذات حضارة راسخة ضاربة الجذور في عمق التاريخ البشري·
إن ما يحدث حتى الآن هو أننا نقدم أنفسنا وحضارتنا وديننا وثقافتنا للآخر بصورة متخلفة جداً، فيها إساءة كاملة لنا دون منفعة أياً كانت· فهل تحررت فلسطين من تفجير البرجين التوأمين في نيويورك وضرب مقر وزارة الدفاع الأميركية في واشنطن؟ وهل خرجت القوات الأجنبية الغازية من العراق جراء تفجير ميترو الأنفاق في لندن؟ وهل تراجعت صحف الغرب ومؤسساته الرسمية نتيجة لحرق السفارات والقنصليات والأعلام ودوسها بالأقدام؟ إن الإجابة واضحة، فكل ذلك لم يفعل لنا شيئاً·
عند هذه النقطة قد يأتي من يقول: ما الذي تقوله هذا، وهل تريدنا أن نقف مكتوفي الأيدي حيال كل الإهانات والإساءات التي نتعرض لها؟ بالتأكيد أنا لا أنادي بذلك، ولكن مثل هذه الأمور لم ولن تحل بالغوغائية والحرق والتكسير والتشنج والتهديد بقتل الأبرياء· إن ما يلزمنا بهذا الشأن هو التخطيط السليم طويل الأمد القائم على وسائل علمية يقودها أصحاب العلم والدراية وليس المنادون بالشغب وردود الأفعال الآنية المتشنجة· إن هذا الأمر يبدأ من منابر المساجد التي يجب أن يعتليها المؤهلون وليس المتسلقون الذين يأخذون ناصية الإمامة والخطابة عنوة ودون ما إعداد سليم، مروراً بالمدرسة التي يجب أن يتفقه فيها الأبناء في أمور دينهم بشكل صحيح بعيداً عن كره الآخر وشتمه وصب الويل واللعنات عليه، وانتهاءً بالأسرة والمجتمع الذي يجب أن ينتبه جيداً إلى ما يتلقاه الأبناء من وعظ وإرشاد وتثقيف في أمور الدين والدنيا بحيث لا يصبحون مغرراً بهم ومخدوعين·
إن أمورنا جميعاً لن تستقيم دون أن نخطط لها تخطيطاً علمياً سليماً بعيد المدى، وطالما بقينا ونحن نفكر بعقلية تعود إلى أزمان سحيقة جداً، فإننا لن نتمكن من تقديم أنفسنا للعالم بشكل صحيح متزن يحترمنا من خلاله الآخر ونحترمه أيضاً· وكما أشرت فإن التخطيط لمثل هذه الأمور لا يمكن أن يقوم به الجهلاء والمتخلفون، ففاقد الشيء لا يعطيه· ويا بني قومي وملتي اتعظوا واستفيدوا مما تقوم به الأمم الأخرى من أفعال مخطط لها ومدروسة لإيصال ثقافاتها إلى العالم دون أن تسيء إلى ما لدى الآخرين أياً كانوا·