يعرف الأطباء الولادة المبكرة، على أنها حالات الولادة التي تتم قبل إتمام سبعة وثلاثين أسبوعاً من الحمل، على أساس أن الحمل الطبيعي يستمر فترة أربعين أسبوعاً· وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، تنتشر حالات الولادة المبكرة بشكل كبير· ففي الولايات المتحدة مثلا، يولد 12% في المئة من الأطفال، أو واحد من كل ثمانية، قبل إتمام فترة الحمل الكاملة· وهو ما يترجم إلى أكثر من نصف مليون حالة ولادة مبكرة في العام الواحد· وتكمن مشكلة الولادة المبكرة في أنه كلما قصرت فترة الحمل، كلما زادت مخاطر تعرض المولود الجديد للعديد من المضاعفات والمشاكل الصحية الخطيرة، مثل الشلل المخي، وأمراض الرئتين المزمنة، ومشاكل الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى التخلف العقلي وفقدان السمع والبصر· هذه المشاكل الصحية تظهر نفسها بشكل جلي، من خلال الارتفاع الواضح في معدلات الوفيات خلال العام الأول بين هؤلاء الأطفال، والمعروفين بالأطفال الخدَّج· وعلى الرغم من أن الكثير من عوامل الخطر التي تسبب نهاية الحمل بشكل مبكر هي عوامل معروفة وموثقة، فإن قرابة نصف الحالات تحدث دون سبب واضح خلفها· من عوامل الخطر تلك، نذكر: 1- وجود تاريخ سابق للولادة المبكرة أو الإجهاض· 2- الحمل بتوأمين أو أكثر· 3- وجود تشوهات تشريحية في الرحم أو عنق الرحم· 4- الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، وداء السكري، وقصور الكليتين· 5- حدوث عدوى في الرحم أو في عنق الرحم، مثل العدوى ببعض الأمراض التناسلية· 6- التدخين، وتنـــــاول الكحوليـــــات، وإدمـــان المخـــــــــدرات· 7- حدوث الحمل قبل سن الثامنة عشرة، أو بعد سن الخامسة والثلاثين· 8- سوء التغذية أثناء الحمل· 9- حدوث نزيف أثناء الحمل· 10- الإصابة بتسمم الحمل· هذه القائمة الطويلة من الأسباب لا تنتهي عند هذا الحد، بل تشمل في رأي البعض أسباباً أخرى، يشتبه في تسببها هي الأخرى في الولادة المبكرة، كتعرض المرأة الحامل للتوتر الحاد مثلاً· وحتى النساء اللواتي يعانين أساساً من صعوبة في الحمل والإنجاب، يصبحن عرضة للولادة المبكرة إذا ما حملن·
ولكن رغم هذه القائمة وغيرها، تظل معظم حالات الولادة المبكرة مبهمة في سببها، وهو ما يُصعب من محاولات الوقاية والعلاج· وإنْ كانت بعض الأبحاث والدراسات الحديثة، أظهرت بعض الأساليب التي يمكنها إلى حدما تحقيق قدر من الوقاية ضد الولادات المبكرة، مثل التركيز على تحسين طرق العناية الشخصية لغرض تجنب العدوى، مع الاعتماد على غذاء صحي متوازن، والدعم النفسي إذا ما تطلب الأمر، مع التركيز على تجنب عوامل الخطر المعروف عنها التسبب بشكل مباشر في الولادة المبكرة، مثل تجنب الوظائف التي تتطلب الوقوف لساعات طويلة، وتجنب التعرض لمستويات مرتفعة من أول أوكسيد الكربون· وبالفعل تظهر الإحصائيات أن أطباء النساء والولادة الذين يتبعون هذه الأساليب في ممارستهم العيادية، قد تمكنوا من خفض حالات الولادة المبكرة بين مرضاهم إلى واحد أو اثنين في المئة، مقارنة بالنسبة العامة والتي تتراوح ما بين 11% إلى 16%· وإنْ كانت نتائج الكثير من هذه الأبحاث تظل غير قاطعة إلى حد ما، وهو ما يعني ضرورة عدم تغيير عادات المرأة أثناء الحمل إلا قبل استشارة طبيبها الخاص·
وإذا ما فشلت جهود الوقاية تلك، فيلجأ الأطباء حينها إلى أحد اختيارين: إما تأجيل حدوث الولادة لأطول فترة ممكنة، أو تأهيل الجنين أثناء وجوده في الرحم للتحديات التي ستواجهه بسبب خروجه إلى العالم مبكراً· وكثيراً ما يلجأ الأطباء إلى استخدام هذين الأسلوبين معا، وإن كان اختيار تأجيل الولادة قدر الإمكان يظل هو الاختيار الأفضل والأكثر شيوعاً، بسبب ما يمنحه من وقت إضافي للجنين كي يكتمل نموه داخل الرحم بشكل طبيعي· ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال عدة طرق، مثل الالتزام بالراحة السريرية التامة، وهو ما من شأنه أن يقلل من قدرة قوة الجذب العمودية على الرحم· وتحقق الراحة التامة أيضا نفس الهدف، من خلال تجنب الحركات التي قد تسبب تهيجاً للرحم وتدفعه للانقباض· ولابد أن تترافق هذه الراحة التامة مع دعم غذائي مناسب، وخصوصاً فيما يتعلق بالحصول على قدر كافٍ من السوائل· فالمعروف أن نقص السوائل في الجسم أو الجفاف، يحفز الرحم على الانقباض المتتابع· وأخيراً قد يلجأ الأطباء إلى بعض الأدوية والعقاقير الطبية، المعروف عنها تثبيطها لانقباضات الرحم· ولكن للأسف لا يمكن في الكثير من الحالات وقف حدوث الولادة قبل أوانها، وهو ما يعرض المولود الجديد لطائفة واسعة من المضاعفات· وربما كان أخطر تلك المضاعفات، هو عدم اكتمال نمو الرئتين، بسبب عدم قدرتهما علـى إنتاج مــادة خاصـــة (surfactant)، الضرورية لقيامهما بوظيفتهما الرئيسية المتمثلة في مد الجسم بالأوكسجين وتخليصه من ثاني أوكسيد الكربون· وفي محاولة لتجنيب المولود الجديد هذا المصير، يتم مد الأم بعقار الجلوكو- كورتيكويدز، وهو نوع من السترويدات يمكنه عبور حاجز المشيمة، وتنشيط نمو الرئتين لدى الجنين· وفي بعض الأحيا