هذا الخلط المتعمد حول حرية التعبير في العالم الغربي والذي أثاره الكاريكاتور الذي نشرته صحيفة ''يولاند بوستن'' الدانمركية، وأعادت طبعه صحف أوروبية أخرى، له خلفية أخرى علينا أن نفهمها كواقع حقيقي مؤسف عند قطاعات كبيرة من الرأي العام الأوروبي··· صحيح قول رئيس وزراء الدانمرك إن الصحافة ورسامي الكاريكاتور يصورونه أحيانا في رسوم مسيئة لشخصه، ولكن أصح منه القول بأن حرية التعبير التي تحميها دساتير وقوانين العالم الغربي لها حدود تقف فيها وتصبح إساءة استعمالها جريمة يطالها القانون· فليس مسموحا لأي ''مواطن'' -كاتبا كان أم صحفياً أم سياسيا- أن يستغل ذلك ''الحق'' في نشر الكراهية والعنصرية البغيضة ضد قطاعات أخرى من المواطنين والتهجم على معتقداتهم ومقدساتهم الدينية باسم حرية التعبير· وما فعلته صحيفة ''يولاند بوستن'' يقع تحت هذه الجرائم الكريهة، بل قد يكون نوعا من العنصرية التي تعرف أوروبا الثمن الفادح الذي دفعته ودفعه العالم لمحاربتها والقضاء عليها· والسؤال المهم هنا هو: لماذا اختارت ''يولاند بوستن'' أولا، وتبعتها بعض الصحف الأوروبية، هذا الوقت بالذات، لفتح ''جبهة حرب جديدة'' بتصويرهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بتلك الصورة الوقحة والتعليقات المصاحبة لها والتي أقل ما توصف به أنها ''قلة أدب وذوق''، وهم يعلمون سلفا أن مثل هذا العمل السيئ سيثير ثائرة المسلمين في كل مكان، ويعرفون أنه سيفتح براكين الغضب ويفجر المكبوت منها ويفتح جرحا جديدا في العلاقات بين بلادهم والمسلمين، بما في ذلك مسلمو البلدان الأوروبية!
تلك لم تكن ''هفوة صحفية'' وليست معركة مقصود بها الدفاع عن قضية حرية التعبير وحدودها وما تبع تلك الحادثة من خلط متعمد في النقاش الأوروبي··· إن ''الحادثة الدانمركية'' كشفت عن النظرة الحقيقية لدى قطاعات من الرأي العام الأوروبي، تعبر عنها بكل خبث صحف وصحافيون يفترض فيهم أنهم يقودون ويوجهون الرأي العام في بلادهم··· رئيس تحرير الصحيفة الدانمركية قال إن قراءه انقسموا تجاه الكاريكاتور إلى قسمين: (50%) وقد أيدوه، و50% عارضوه!
والذين يقودون الرأي العام ويوجهونه يعلمون جيدا درجة التوتر العالية التي تواجهها الآن العلاقات الأوروبية- الإسلامية ليس على مستوى العلاقات الدبلوماسية ولكن على مستوى القواعد الشعبية- إنهم قد نفخوا في هذه النار المحرقة ليثيروا مشاعر مسلمي أوروبا وغيرهم وليدفعوهم إلى ارتكاب حماقات وأعمال غير منظمة ومن ثم ليقفوا ويقولوا للمواطن الأوروبي، أو الغربي عموما: ألم نقل لكم إن هؤلاء المسلمين بتكوينهم لن يحتملوا مبادئنا وحقوقنا الديمقراطية وفي مقدمتها حرية التعبير؟!
والحقيقة التي لابد من مواجهتها هي أن مشاعر العداء وعدم الاحترام والإصرار على فتح جراحات التاريخ القديمة بين أوروبا والمسلمين هي جزء من واقع يتطور ويكبر مع أوروبا اليوم··· العداء المبطن لكل المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا القديمة وبخاصة المسلمين والسود الأفارقة···
وكذلك سيوجد من بيننا من يساعدهم في تحقيق أهدافهم العنصرية بغير وعي وإدراك سليم··· فالذين رفعوا شعارات ذبح الدانمركيين والأوروبيين وهددوا بإبادتهم في بعض مظاهراتنا، بدعوى الدفاع عن الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم، ليسوا أقل ضررا على الإسلام والمسلمين من أعدائهم الحقيقيين·