اعتراف وزارة العمل بوجود ''شركات سوابق'' تدمن تكرار مخالفة عدم دفع رواتب العمال لا يعفي الوزارة من المسؤولية ولا يسقط التساؤلات المشروعة حول مبررات الصمت حيال ممارسات شركة مقاولات تدرك الجهات الحكومية أنها سبب رئيسي في تنامي ظاهرة الاحتجاجات العمالية الجماعية· والمؤكد أن اجترار الحديث عن الآثار السلبية لهذه الظاهرة لن يأتي بجديد يذكر، ولكن اللافت حقا أن ''تتجمد'' الإجراءات الرادعة في التعاطي مع هذه التجاوزات وتقف عند حد وقف تعامل وزارة العمل مع هذه الشركة أو تلك حتى تصحح أوضاعها، فوقف المعاملات ومقاطعة الوزارة لهذه الشركات والاكتفاء باللائحة السوداء لن ينهي المشكلة بل يعمقها، لأن الشركات قد تجد حلولا بديلة وعديدة سواء لجلب عمالة جديدة أو غير ذلك من سلسلة المعاملات التي تحتاج في إنهائها إلى وزارة العمل·
ولعل من تابع بعض التقارير السنوية الأخيرة الصادرة عن مؤسسات ومنظمات دولية معنية برصد أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة، يدرك أن ظاهرة الاحتجاجات العمالية التي شهدتها الدولة في السنوات الأخيرة قد بدأت تطفو على سطح هذه التقارير لتشكل الثقب الأسود الذي يكاد يكون وحيدا في ثوب ناصع البياض، حيث تشهد هذه التقارير وتعترف بمساحات الحرية والتسامح التي تتميز بها دولة الإمارات، ولكنها تقف عند هذه الاحتجاجات وترصدها معتبرة إياها من الظواهر السلبية في دولة الإمارات، وهذا بحد ذاته مبرر كاف للقول بأن التغاضي عن هذه الظاهرة والصمت حيال ''أصحاب السوابق'' من الشركات الخاصة بات يمثل فاتورة متنامية التكاليف تدفعها الدولة من صورتها وسمعتها ومكانتها ضمن تراتبية الدول في مراعاة حقوق الإنسان، لاسيما أن توالي الاحتجاجات يعكس أيضا إدراكا متناميا من جانب العمالة الوافدة لتأثير الاحتجاج الجماعي في انتزاع الحقوق من الشركات التي تماطل في دفع الرواتب أو تتغاضى عن توفير الظروف المعيشية الملائمة، وبالتالي لنا أن نتوقع تلقائيا تصاعدا في منحنى الاحتجاجات العمالية مادام الصمت على المخالفين سيظل سيد الموقف·
من الممكن ـ وقد يكون من المؤكد ـ أن وزارة العمل لا تمتلك سلطات حقيقية إضافية تؤهلها لاتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد الشركات المخالفة، وبالتالي فهي تكتفي بتسريب تصريحات تنسب إلى مسؤوليها ـ من دون ذكر أسمائهم ـ للتحذير من خطورة ''إدمان'' شركات القطاع الخاص للمخالفات، وكذلك من تفشي موجات الاحتجاج العمالية وتحول التظاهر الجماعي إلى ''موضة'' بين العمالة الوافدة، وهي تحذيرات صائبة وتستحق الانتباه من الجهات المعنية، ولكن من الضروري أن تسعى الوزارة إلى تجاوز حدودها الإجرائية الإدارية وتسعى إلى التنسيق مع جهات حكومية أخرى لتعزيز الضغوط والإجراءات العقابية ضد هذه الشركات، بحيث يستشعر المخالفون خطورة المضي فعليا في هذه الممارسات، وبحيث ترتبط الإجراءات العقابية المتخذة طرديا وآليا بمعدلات تكرار المخالفة، على أن تكون العقوبات من النوع الذي يمس ''خزائن'' هذه الشركات وأرصدتها المالية لأن ''عصا'' العقوبات الإدارية لا تمتلك تأثيرا يذكر فيمن يلتهمون ''جزرة'' الأرباح الخيالية ولو على حساب سمعة الدولة وصورتها التي تسهر قياداتنا على تعزيزها ودعمها بكل ماهو إيجابي·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae