الموقف التالي حدث في دولة غربية منذ سنوات- لن أذكر اسمها حتى لا تستغل بعض الأنظمة والجماعات العربية الأمر وتقوم بإحراق سفارة تلك الدولة!!- ففي إحدى المحاضرات التي شارك فيها بعض الغربيين والعرب قامت سيدة غربية برمي القرآن الكريم على الأرض متعمدة··· فقام لها أحد الحضور من العرب مستنكرا ورافضا لما فعلته، فكان ردها جاهزا وهو: ''هذا الكتاب ملكي وقد اشتريته بمالي·· بالتالي فإنني أفعل به ما أشاء''!··· رد عليها الرجل العربي: ''لا··· هذا الكتاب ليس ملكك إنه كتاب مقدس لا يباع ولا يشترى وعليك أن تحترميه''··· ولم يذهب الحوار إلى أبعد من ذلك والمهم في الأمر أن هذا الرجل العربي الذي دافع عن المصحف لم يكن مسلما وإنما مسيحي عربي·
أذكر هذا الموقف كدليل على أمرين الأول هو أن مشكلتنا مع الغرب ليست جديدة وأننا جزء منها والأمر الآخر أن مشكلتنا ليست مع المسيحيين الغربيين أو العرب كما يريد أن يؤكد البعض سواء من جانبنا أو الجانب الغربي··· فما فعله الرسام الدنماركي المغمور لم يكن أول إساءة للإسلام ولن تكون تلك الإساءة الأخيرة وخصوصا في ظل التشرذم والضعف الذي تعيشه الأمة الإسلامية وفي ظل وجود مجموعات كثيرة ومختلفة من المسلمين يتعمدون الإساءة إلى الإسلام ونبيه من خلال ما ينسبونه إلى الرسول ومن خلال تفسيراتهم غير المنطقية لنصوص القرآن الكريم والحديث الشريف·
لنتفق مبدئيا على أن ما قام به رسام الكاريكاتير لا علاقة له بحرية التعبير أو حرية الصحافة··· فهذه نقطة الانطلاق للتفاهم بيننا وبين الغرب وللحد من تطور هذه الأزمة وهذا موقف مبدئي لا يمكن أن تغيره شعارات حرية الرأي والتعبير الكاذبة التي يبرر بها بعض الغربيين ما فعلته الصحيفة الدنماركية في حق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهناك أحداث تؤكد أن مبررهم مردود عليهم ففي سويسرا أدانت المحكمة إحدى الشركات التجارية بعد أن تورطت في العبث بصورة الثائر الكوبي تشي جيفارا من خلال وضع صليب على القبعة التي يرتديها بدلا عن النجمة الحمراء الشهيرة واعتذرت الشركة لابنة جيفارا ودفعت غرامة مقدارها 65 ألف يورو··· وفي النمسا- التي أيدت ما نشرته الصحيفة الدنماركية بحجة حرية التعبير- قدمت الحكومة النمساوية اعتذارا علنيا وصريحا عقب رسم بعض الفنانين للوحة تضم صورا شاذة لكل من ملكة بريطانيا اليزبيث والرئيس الاميركي جورج بوش والرئيس الفرنسي جاك شيراك··· فهل يعتقد الغرب أن ضعف المسلمين و''جهلهم'' أوصلهم إلى درجة أنهم لم يسمعوا عن هذه الأحداث؟!
على الغرب أن لا يستخف بغضب المسلمين بحجة أنه عالم ديمقراطي متحضر وأن العالم الإسلامي غير ديمقراطي ومنغلق على نفسه فما يحدث اليوم لا علاقة له بهذا الأمر··· كما أتمنى أن لا يكابر الدنماركيون على موقفهم بحجة أن اعتذارهم يعني التأثير على حرية الرأي والتعبير فليس فيما نشرته الصحيفة أي أمر يتعلق بحرية الرأي والتعبير بل هي حرية الإساءة والتشويه وحرية التخريب وهذا ما أكد عليه الفاتيكان عندما أعلن أن حرية الرأي لا تعني الإساءة إلى الأديان·
كما يجب أن لا يفوت على الدنماركيين أن المشكلة الحقيقية في هذه الأزمة لا تكمن في كلمة ''نعتذر'' وإنما في القناعة بأن ما صوره الرسامون بتلك الكاريكاتيرات هو الواقع وأن تلك هي حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم! وهم لا يعرفون أي شيء عن هذا الرجل العظيم···! وهنا مربط الفرس فالمسألة ليست مجرد اعتذار مع الاستمرار في الاعتقاد بأن تلك الصور تعكس حقيقة، ولكن الاعتذار مع الاقتناع بأن صورة النبي عكس تلك الصور تماما فهو رسول السلام ونبي الرحمة والعدل والمساواة···
فيما يتعلق بموقف وردة فعل العرب والمسلمين فإن في الأمر أشياء كثيرة يجب أن نطرحها بصدق ووضوح··· ففي ظل عدم إعلان أغلب الدول العربية والإسلامية موقفها الرسمي والصريح في أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة لشخص الرسول الكريم (ص)·· إما لأسباب سياسية أو أمنية أو اقتصادية أو دبلوماسية··· وحتى لا تقع الحكومات في حرج مع دول أخرى أو مع منظمات دولية فإنني أعتقد أن من المهم أن نفكر في طريقة جديدة متطورة ومتحضرة للدفاع عن الإسلام وحمايته من المشوهين سواء الذين هم منا ويعيشون بيننا أو من بعض الجهلاء الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا ما ينقله الإعلام فيسيئون إليه بجهل واضح·
وربما نكون اليوم بحاجة إلى إقامة ''دولة دينية'' على غرار دولة الفاتيكان المسيحية في روما تهتم بالدين فقط وتعطي الصورة الحقيقية عن الإسلام وهي التي تتصدى للدفاع عن أية إساءة توجه للإسلام أو لنبي الإسلام بعيدا عن المواقف الرسمية للحكومات العربية والإسلامية وبعيدا عن غوغائية الشارع الذي لا يقدر نتائج ما يقوم به من أعمال تخريب وتدمير وتضخيم لقضية يمكن حلها بطرق أسهل وأقل تكلفة وبنتائج أفضل بكثير·
فما المشكلة لو تم تخصيص قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن خمسة آلاف متر مربع تتبرع بها دولة عربية أو إسلامية وتقام عليها دولة مستقلة لا جيش فيها ولا علاقة لها بالسياسة وتعتم