كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة حول الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي، وحول ما إذا كانت الديمقراطية قابلة للتكيف وسط المجتمع العربي، بما له من قيم وتقاليد وأنساق بنائية خاصـة! بطبيعـة الحال تنطلق تلك المناقشات من حقيقة أساسية وبديهة، هـي أن الديمقراطية في نشأتها وتطورها تنتمي إلى سياق تاريخي ولدت منه وارتبطت به، ألا وهو السياق الغربي في مرحلته التي أطلق عليها مرحلة النهضة والأنوار والثورة، ومن ثم تقتضي النظرة العلمية حذرا يراعي الشروط الخاصة لنقل فكرة ما من سياقها إلى سياق ثقافي آخر مغاير، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله الكثيفة على ذلك النقاش حول توطين الديمقراطية أو تبيئتها في الوطن العربي!
ورغم أن النظام الديمقراطـي متمثلا في مبدأ التمثيل، وفصل السلطات الثلاث، وفكرة الرقابة والمحاسبة، ودولة القانون، ومفهوم المواطنة··· هو نظام ارتبط بإطار فكري غربي أفرزه وشكل الدعامة النظرية لتطوره، فإن ذلك النظام أصبح في وقتنا الحالي بمثابة نسق من الآليات الإجرائية التي تتجاوز المرجعية الفكرية الأولى لنشوئها؛ بمعنى أن مؤسسـات الحكم الديمقراطي لم تعد تعبيرا عـن أفكار الطبقة البرجوازية التي ثارت ضد سيطرة الكنيسة في الغرب منذ القرن السادس عشر وأرست فلسفة الأنوار، بقدر ما هي جملة من التدابير المؤسسية لإدارة الحكم وتنظيم المشاركة السياسية وتقنين السلطة·
فأن ينتخب الناس ممثليهم بواسطة الاقتراع الانتخابي، فهذه مجرد آلية أو صيغة شكلية لتنفيذ السياسات التي يتم التوافق على مضامينها· وإن اختلفت تلك المضامين مـن شعب إلى آخر بحسب القيم والمثـل التي يؤمن بهـا، فإن الآلية أو الصيغـة الشكليـة قد تبقى هـي ذاتهـ فـي كل الحـالات·
وهذا ما يسمح بالقول إن الديمقراطية أو النظام الديمقراطي هـو الشكل أي الإطار العام الذي يناسب سائر مجتمعات العصر، ومن ثم فهي تضفي عليه من خصوصيتها الثقافية والدينية ما شاءت· وبذلك فالنقاشات الطويلة الدائرة منذ سنوات عديدة حول صلاحية الديمقراطية لبيئاتنا العربية، هي نقاشات بلا سقف ولا فائدة لها في النهاية؛ إذ أن الديمقراطية في آخر المطاف هي نظام لاتخاذ القرار قبل أن تكون فلسفة لتحديد مضمون ومحتوى ذلك القرار!
حامد سري- دمشق