من المضحكات المبكيات أن تكون قناعة أحد المسؤولين في جمعية أبوظبي التعاونية قائمة على أن بيع اللحوم المستوردة على أنها محلية يعتبر أمرا عاديا ''لأن الاختلاف هو في المسميات فقط''، ما يعني أن هذا المسؤول يرى أنه ما دامت اللحوم سليمة من الناحية الصحية فلا غبار على بيع المستورد على أنه محلي ولا غبار في تغيير المسميات من أجل تفريغ جيوب المستهلك، الذي لا يدرك الفارق بين هذه النوعية أو تلك ما دامت جميعها قد دخلت إلى ثلاجات العرض·
بالأمس جاء ''مانشيت'' إحدى الصحف المحلية ''صاعقا'' للكثيرين حين كشف عن تفشي ظاهرة التلاعب بمسمّيات اللحوم المعروضة في الجمعيات التعاونية، وحين أكد مسؤولو هذه الجمعيات والباعة بشكل ضمني أن هذا التلاعب يتم مع سبق الإصرار والترصد، أي أن التعاونيات التي نراهن عليها جميعا في كبح جماح جشع التجار ربما تكون في مقدّمة من يقود حملات نهب الجيوب واستنزاف أموال المواطنين والمقيمين!! من يقرأ الموضوع الذي نشر بالأمس يقف على حقائق عدة: أولاها اعتراف مسؤولي بعض الجمعيات التعاونية بممارسة الغش في أنواع اللحوم وبيع المستورد باعتباره محليا مع ما يعنيه ذلك من فروقات سعرية قد تتجاوز ضعف السعر الأصلي· والحقيقة الثانية أن هناك تأكيدات واضحة وجريئة بشكل مثير للانتباه بأن هذه الظاهرة شائعة ومتعارف عليها في ملاحم الدولة، ما يطرح بدوره تساؤلا بديهيا: أين أجهزة الرقابة من هذه الظاهرة التي يصفها ممارسوها بأنها ''شائعة''؟ فإذا كانت الرقابة لا تعرف معلومة متداولة بهذه الكثافة والانتشار، فتلك مصيبة، وإذا كانت تعرف وتقف مكتوفة الأيدي أو صامتة، فتلك مصيبة أعظم وأخطر!! والحقيقة الثالثة أن هناك تأكيدات نسبت إلى مصدر مسؤول في ''جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية''، تشير إلى أن كل اللحوم المباعة في الأسواق على أنها ''محلية'' هي في حقيقة الأمر ''مستوردة''، ما يطرح بدوره تساؤلا آخر حول المغزى من وراء صمت الرقابة على استمرارية هذا الغش التجاري، خصوصاً أن الجمهور يضج بالشكوى من ارتفاع أسعار اللحوم وتفاوتها من محل لآخر من دون مبرر يذكر؟! والحقيقة الرابعة أن هناك باعة يؤمنون بالتفرقة بين ''الغش الضار'' و''الغش الجيد'' ويرون أنه لا غضاضة في بيع لحوم مستوردة بأضعاف سعرها الأصلي بعد تغيير المسمى والتلاعب بالجمهور ما دامت اللحوم سليمة من الناحية الصحية! والحقيقة الخامسة أن التجار أنفسهم يعترفون ضمناً بأن أحد دوافع انتشار هذه الممارسات، يكمن في ضآلة قيمة الغرامة المالية المترتبة على ضبط المخالفة-إن ضبطت- حيث يشير البعض إلى أن الأرباح الهائلة تغري بانتهاك القواعد التي لا يترتب على تجاوزها سوى غرامة بقيمة 500 درهم!! والحقيقة السادسة الأكثر غرابة تتمثل في أن ''جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية'' لا يمتلك تقنيات وأجهزة كشف تتيح له التعرف إلى مصدر اللحوم إذا كانت ''مقطعة'' ومعروضة بالفعل·
''الغش الضار'' و''الغش الجيد'' هو أحدث ابتكارات وفنون التحايل على المستهلكين في الأسواق المحلية التي يتضح يوما بعد آخر أنها حبلى بالكثير من المفاجآت·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae