خلال السنوات التي أمضيتها في التفاوض من أجل السلام بين إسرائيل وجيرانها، كنت كثيراً ما أشعر بالاندهاش بسبب ندرة المرات التي كانت مواقف الطرفين تتطابق فيها· ففي المرات التي كان فيها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، يواجهون زلزالاً سياسياً، كان الطرفان مهيئين لتغير واسع النطاق، ولكن في اتجاهين مختلفين·
وإسرائيل الآن تتمتع بإجماع واسع النطاق في تيار ''الوسط''، كما يبدو الرأي العام فيها مهيأً لقيام دولته بفك ارتباطها مع الفلسطينيين، وتنفيذ انسحابات واسعة النطاق من الضفة الغربية· في مقابل ذلك، نجد أن الفلسطينيين قد صوتوا الآن على إعادة صياغة شكل السلطة الفلسطينية من خلال انتخابهم لحركة ''حماس''، تلك المنظمة التي ترفض مفهوم السلام مع إسرائيل في حد ذاته، أو حتى الانفصال عنها من خلال مفاوضات·
وإذا ما عرفنا أن استطلاعات الرأي أظهرت أن 77 في المئة من الإسرائيليين، كانوا يرون أنه لا يوجد شريك فلسطيني لعملية السلام، فإن فوز ''حماس'' الصاعق قد يؤدي إلى زيادة الحافز الإسرائيلي نحو الانفصال من جانب واحد· المشكلة هنا أن فك الارتباط أو الانفصال ليس بالعملية السهلة، وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بالضفة الغربية، القريبة للغاية من المدن الإسرائيلية بشكل يثير هموماً أمنية إسرائيلية·
ومع ذلك، فإن الأمر المرجح هو أن يشرع الإسرائيليون في العمل في جميع الأحوال، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار رغبة الإسرائيليين في حل المشكلات الديموغرافية، وتحديد شكل حدودهم وصياغة مستقبلهم دون أن يجعلوا رغبتهم هذه أسيرة للخلل الوظيفي للفلسطينيين·
وعلى الرغم من أن ''حماس'' قد تتجنب بالغريزة التعاون مع إسرائيل، فإنها ستجد أن توليها لزمام الحكم سينتج عنه مأزق· فكيف يمكنها ألا تتعامل مع إسرائيل التي تزود الفلسطينيين بالكهرباء والماء، والتي تقوم بتحصيل الضرائب والعوائد بالنيابة عنهم، وهي التي تقدم معظم الأموال التي تحتاجها الإدارة الفلسطينية، كما أنها هي التي تتحكم في جميع نقاط الدخول والخروج من المناطق الفلسطينية·
ويجب على ''حماس'' أيضاً أن تعترف بحقيقة واقعية أخرى، وهي أنها خاضت الانتخابات، وفازت بها بسبب أجندتها القائمة على الإصلاح وتحقيق حياة أفضل للمواطنين الفلسطينيين، وأن الحياة ليس من المحتمل أن تتحسن ما لم يتوفر ''الهدوء'' الذي تريده لإعادة بناء المجتمع، والذي سيتطلب التعامل مع الفساد المزمن، والانفلات الأمني، وتقديم الخدمات الاجتماعية، وتطوير اقتصاد يوفر الوظائف كما يوفر وعداً بمستقبل أفضل· وعندما يعلن قادة ''حماس'' أن الحركة ستصوغ سياسة اجتماعية جديدة وسياسة صحية جديدة وسياسية اقتصادية وصناعية جديدة، فإنهم يرفعون بذلك مستوى التوقعات· لذلك فإنهم مطالبون بأن يسألوا أنفسهم سؤالا هو: هل سيستطيعون أن ينجزوا هذه الوعود إذا ما كانوا في حالة حرب مع إسرائيل؟ وقادة ''حماس'' الذين يعيشون في الخارج مثل خالد مشعل، قد يدفعون باتجاه العودة للعنف فوراً مدفوعين في ذلك بمؤيديهم في طهران، أما القادة الذين يعيشون في غــزة -مثل محمود الزهار وإسماعيل هنية- الذين يعانون من واقع الحياة في القطاع، فقد يسعون إلى الدخول على الأقل في حوار غير مباشر مع الإسرائيليين، ولكنهم ''لن يقوموا خلاله بإعطاء أي شيء مجانا'' للإسرائيليين، كما قال محمود الزهار·
المنطق الذي يجب أن تستند إليه إسرائيل وأيضا المجتمع الدولي في التعامل مع ''حماس'' يجب أن ينطلق من الموقف التالي: ألا يقوموا بإعطاء ''حماس'' شيئاً بالمجان· قد يجد الإسرائيليون و''حماس'' أن العلاقة التي تفرضها حقائق الأمر الواقع بينهما ربما تكون مفيدة: فالإسرائيليون سيحصلون على الهدوء الذي يمكنهم من مواصلة بناء جدار الفصل، و''حماس'' ستكون لديها الحرية في التركيز على عملية إعادة البناء الداخلي· قد يبدو الأمر منطقياً على هذا النحو، ولكننا يجب أن نعرف أنه لن يكون قابلاً للاستمرار، إلا إذا توقفت ''حماس'' عن صنع القنابل وصنع وتخزين صواريخ ''القسام'' ومنعت هجمات ''الجهاد الإسلامي'' و''كتائب شهداء الأقصى'' وأوقفت تهريب الأسلحة الجديدة والمتطورة إلى داخل غزة والضفة الغربية·
يمكن الافتراض أن ''حماس'' ستسعى إلى عمل أقل القليل والحصول على أقصى شيء ممكن· ولكن يجب ألا يسمح لها بذلك كما يجب ألا يسمح لها بتفادي اتخاذ الخيارات· ويمكن لإسرائيل إذا ما استلزمت الضرورة السماح لطرف ثالث بالعمل كوسيط بينها و''حماس''، للتأكد مما إذا كان التعامل على أساس الأمر الواقع بين الطرفين سيكون ممكنا أم لا، على أن تكون الشروط الإسرائيلية واضحة تماما أثناء ذلك وخصوصاً فيما يتعلق بالأمن·
أما الولايات المتحدة فيجب ألا تكون أقل وضوحاً في تبيان ما يتعين على ''حماس'' عمله، إذا ما أرادت أن تكون لها علاقة مع المجتمع الدولي· بالطبع ''حماس'' ستسعى إلى أن تكون لها علاقة مع العالم مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بعقيدتها الجوهرية القائمة على رفض إسرائيل، ودعمها للعنف، ولكن يجب ألا يسمح لها ف