في كل زمان ومكان يبقى المعتقد الديني خطا أحمر لا يسمح بتجاوزه، ولا يجب أن يسمح بذلك، ولكن في المقابل فإن التعبير عن الغضب لا يجب أن يقود إلى توظيف سياسي يدفع الناس تجاه ارتكاب أفعال حمقاء تسكب على حالة الاحتقان الحالية مزيدا من الوقود لتزداد اشتعالا·
الحقيقة المؤكدة هي أن ما فعلته صحيفة دنماركية من نشر معيب لما اعتبرته صورا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هو خطأ كبير في حق مئات الملايين من المسلمين في شتى بقاع الأرض، والحقيقة المؤكدة هي أن ردود الفعل التي أبدتها الدول والمنظمات الإسلامية كانت ولا تزال تدور في إطار شرعية التعبير والتمسك بالأسلوب الحضاري الذي يعكس حرص الإسلام على احترام كل الأديان السماوية· كان ذلك إلى أن شهد العالم عبر الفضائيات أسلوبا آخر يرفضه الإسلام الحنيف ويسيئ إلى قضية المسلمين الأساسية، عندما أقدم سوريون على حرق سفارتي الدنمارك والنرويج، فالإسلام يرفض التخريب والاعتداء على ممتلكات الغير وديننا الحنيف يعلمنا أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن تصرفا غير مسؤول من رئيس تحرير صحيفة لا يمكن أن يبرر حرق سفارة دولة هذا الصحفي·
هل كان حرق السفارتين في العاصمة السورية دمشق عملا ''شعبيا'' تلقائيا بعيدا عن التوجيه الرسمي أو التأييد ولو بالتغاضي الظاهر للعيان عما يحدث، والتساهل في حماية أبنية السفارتين؟· الإجابة يستطيع أن يستنتجها كل متابع لتسلسل الأحداث في سوريا وما تعرضت له من ضغوط دولية شديدة، ظهرت انعكاساتها في عمليات حرق السفارتين أمس، ما يشير بجلاء إلى توجيه سياسي أو استخدام سياسي لمشاعر الناس·
ليس هناك شك في أن ما حدث من بعض الصحف الأوربية أثار غضب كل مسلم على الأرض، وليس هناك شك في أن الكثيرين هبوا في عفوية وتلقائية صادقة للتعبير عن غضبهم تجاه ما حدث، ولكن ليس مقبولا في ظل حالة الاحتقان المخيفة التي تجتاح العالم الآن أن تسعى بعض الأنظمة لاستغلال المشاعر لتحقيق أغراض سياسية·· وما حدث في سوريا من اعتداء على السفارتين لا يمكن أن يكون بمنأى عن هذا النوع من الاستغلال السياسي للمشاعر وهو ما يمثل إساءة حقيقية لقضية عادلة·