في خطابه عن ''حالة الاتحاد'' الذي ألقاه يوم الحادي والثلاثين من يناير المنصرم، أشار الرئيس بوش إلى إدمان أميركا لوقود النفط، ودعاها إلى خفض وارداتها من نفط الشرق الأوسط بنسبة 75 في المئة مع حلول عام ·2025 كما أعلن في الخطاب نفسه عن ''مبادرة متقدمة في مجال الوقود'' بغية إحداث طفرة كبيرة فيها· ولإحداث تغيير ملحوظ في الطريقة التي نزود بها منازلنا بالطاقة، فإن علينا أن نستثمر أكثر في حقول طاقة الفحم، وفي مجال الثورة التكنولوجية في طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومجمل موارد الطاقة النظيفة الآمنة التي تبلغ الانبعاثات الملوثة منها درجة الصفر· وتناول بوش في خطابه كذلك، ضرورة تغيير الوقود المستخدم في سياراتنا وشاحناتنا· وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، دعا الرئيس إلى إجراء البحوث والدراسات المتخصصة لتصنيع السيارات والشاحنات المهجنة والقابلة لاستخدام طاقة الهيدروجين· وفي الاتجاه ذاته طالب بإجراء المزيد من البحوث والدراسات حول طرق الاستخدام الأكثر كفاءة في إنتاج غاز الإيثانول·
لكن وعلى رغم هذه المبادرات، فإنها تبدو جميعها ذات عائد شحيح وضئيل، نظراً لتأخر تبنيها عملياً لفترة طويلة من الزمن، وذلك في تقدير الكثيرين من منتقدي الإدارة الحالية·
وعلى سبيل المثال فإن حجم الاستهلاك الأميركي اليومي من النفط يقدر بنحو 15 مليون برميل، ينتج منها 4,7 مليون برميل في الحقول الأميركية نفسها، بينما تستورد الـ 10,2 مليون برميل المتبقية من الخارج· يضاف إلى ذلك أن معظم الوارد يتم إنتاجه في الجزء الغربي من الكرة الأرضية وغيره من المناطق التي لا علاقة لها بالخليج العربي· وللحقيقة فإن نسبة النفط المستورد من الخليج لا تزيد على 14 في المئة فحسب من إجمالي الاستهلاك الأميركي اليومي للنفط· ولهذا السبب فإنه لا يتوقع حدوث أثر يذكر لفطام أميركا عن النفط الخليجي أو الشرق أوسطي على الاقتصاد العالمي، جراء تعرضه لتذبذب أسعار النفط· والسبب هو أن الدول الآسيوية المعتمدة كلية على النفط، سرعان ما ستحل محل المشتريات الأميركية من النفط الخليجي في حال فطام الأخيرة عنه، حسب دعوة الرئيس بوش· ولطالما أن الاقتصاد العالمي بمجمله سيظل بحاجة إلى منتجات النفط، للحفاظ على معدل نموه الحالي وتصاعده اللاحق، فمما لا شك فيه أن أمن الطاقة الأميركي سيظل جزءا لا يتجزأ من معادلة أمن الطاقة العالمي· إلى هنا نصل للقول إنه لا توجد حلول قومية لمشكلة الاعتماد على واردات النفط الأجنبي· وإن كان ثمة سبيل لمواجهتها، فإنه يتعين النظر إليها على أنها مشكلة عالمية، تتطلب اتخاذ تدابير وإجراءات جديدة في مجال التعاون الدولي فيها·
ومهما يكن من أمر، فإن اقتراحات تبني الطاقة البديلة، والتي أشار إليها الرئيس بوش في خطابه، تعد جيدة ولكن يبقى سؤال كبير حول مدى قدرة الميزانية الفيدرالية على تمويلها، في ظروف العجز الكبير الذي تعانيه في الوقت الحالي· لذا فإن أهم ما جاء في الخطاب الأخير هو تشخيصه وتحليله للتأثيرات المحتملة لتقدم السن بين المواطنين الأميركيين على متطلبات الرعاية الصحية المستقبلية، وما تمثله تلك المتطلبات من تحديات مالية كبيرة للميزانية الفيدرالية·
عودة إلى موضوع الطاقة، يذكر أن الرئيس بوش كان قد دعا في خطابات سابقة له، إلى زيادة معدل الإنتاج المحلي من النفط، لا سيما في حقول احتياطيات ألاسكا القومية البرية· ولذا فقد كان مثيراً للاهتمام ألا يرد أي ذكر في خطابه الأخير، لموارد النفط الكندية، خاصة وأن حقول ''ألبرتا'' الغنية بالنفط المخلوط بالرمال، قد احتلت مساحة مقدرة من التغطيات والأخبار في وسائل الإعلام الأميركية مؤخراً· وعلى الرغم من أنه سوف يحسب لصالح بوش اعترافه الأخير بمأزق الطاقة الذي تواجهه أميركا، إلا أنه سوف يحسب عليه سلباً في الوقت ذاته، تجاهله التام للكارثة البيئية الناشئة عن التغير المناخي، جراء الاعتماد التام على الوقود الحفري·