إذا كان أهل السودان الشمالي قد وضعوا كل آمالهم وقرنوا كل تطلعاتهم بتطبيق اتفاقية ''نيفاشا'' وجعلها واقعاً معيشاً، فإن ذلك الأمل وذلك التطلع قد أصابه قدر من الاهتزاز والضعف خلال الأسبوع المنصرم·
إن تنفيذ الاتفاقية يقع بصورة أساسية على كاهل الشريكين في الحكم وهما ''حزب المؤتمر الوطني'' (الإنقاذ) و''الحركة الشعبية لتحرير السودان'' (الجنوب)، ذلك لأنهما تفاوضا حول الاتفاق وتوصلا إليه برعاية إقليمية ودولية، ولهذا فإن أي خلل أو اضطراب في تلك الشراكة أو إضعاف لها من شأنه أن يضع الاتفاقية ذاتها في مهب الريح·
ما حدث هو أن النائب الأول لرئيس الجمهورية وحاكم الإقليم الجنوبي الفريق سلفا كير ميارديت قد دعا لمؤتمر صحفي في مكتبه بالقصر الجمهوري بداية الأسبوع الماضي وكشف الكثير مما يعرقل تنفيذ الاتفاقية ويشكك في أن الشراكة تمضي بصورة سلسة أو بتوافق تام·
اتهم ميارديت شريكه في الحكم بعدم الجدية في تنفيذ الاتفاقية، قائلا إن هناك كثيراً من التأجيل والتعطيل في حسم قضايا تعد من أمهات ما نصت عليه ''نيفاشا''· من ذلك أن حكومة الجنوب ما زالت تجهل الموقف بالنسبة لصناعة البترول وعائداته التي نصت الاتفاقية على أن تكون مناصفة بين الشمال والجنوب فيما يختص بذلك الذي ينتج من أرض الجنوب، ثم إن ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب لم يتم بصورة حاسمة حتى الآن، وتحدث النائب الأول عن الوضع في منطقة (أبياي) الحدودية فقال إن الخلاف حولها مازال مستمراً لأن الشريك الشمالي رفض القبول بما توصل إليه الوسطاء الأجانب· وتطرق الفريق ميارديت لأزمة دارفور وأزمة الشرق فقال إنهم لم يقوموا بدور في حل أي منهما لأن الحليف في الحكم لم يكشف لهم حتى الآن استراتيجيته وتكتيكاته لحل الأزمتين·
وقد سارع الناطق باسم ''المؤتمر الوطني'' للتعليق على ما أعلنه النائب الأول لرئيس الجمهورية، فقال إن المساعي مستمرة للوصول إلى اتفاق حول القضايا التي أثارها النائب الأول وإنه لم يكن هناك ما يستدعي النشر والإفصاح لأن الأمر يمكن تداوله بين الجهات المسؤولة·
وجاءت ردود أفعال الإعلام المحلي متباينة فأنصار ''المؤتمر الوطني'' ينحون باللوم على ميارديت ويرون أن هذه القضايا تترك للبحث في مستوى المجلس الرئاسي· أما المعارضون فرحبوا بما أعلنه النائب الأول لا سيما وقد لزم الصمت وقتا طويلا مما آثار شكوك البعض في أنه لا يواصل سياسات سلفه الراحل الدكتور قرنق وأنه أوشك أن يكون واقعاً تحت نفوذ ''المؤتمر الوطني''·
لقد ألمح ميارديت في مؤتمره الصحفي إلى أنه إذا عجز وعجزت جماعته عن إصلاح هذه الأخطاء فإنهم قد يلجأون لتحكيم ''الإيغاد'' وشركائها، وكذلك الأمم المتحدة وكلها مؤسسات رعت تلك الاتفاقية وضمنت تنفيذها·
وهكذا فإن ملخص الوضع الحالي هو أن السودان بين خيارين؛ أحدهما أن يستجيب ''المؤتمر الوطني'' لما يشكو منه شريكه في الحكم، فيعدل من سياساته بصورة جذرية وواضحة، أما الخيار الثاني فهو ما ألمح إليه النائب الأول وهو ما قد يؤدي إلى قدر آخر من التدخل الأجنبي الذي لا يعرف أحد كيف يكون وإلى أين ينتهي!