لماذا هذه الحملة الأميركية- الأوروبية- الغربية على نتائج الانتخابات الفلسطينية؟
قد يبدو السؤال غريباً بالنسبة إلى البعض، انطلاقاً من خطأ توقع موقف مغاير من أرباب الحملة· لكن المناقشة تبدو ضرورية في هذه المرحلة لكل أسباب وأبعاد وخلفيات الحملة انطلاقاً من السؤال: لماذا الانتخابات؟ وماذا تعني الانتخابات؟ وكيف تكون الديمقراطية؟
الانتخابات مطلب أميركي خصوصاً، وأوروبي وغربي عموماً، مثلما هي مطلب فلسطيني في الأساس· إذاً من يجري هذه الانتخابات؟ ومن سيشارك فيها؟ وهل نأتي بشعب آخر إلى فلسطين لينتخب؟ وهل نجري الانتخابات خارج الأراضي الفلسطينية ويشارك فيها غير الفلسطينيين، وتعلن النتائج فلسطينياً وتفرض على الشعب الفلسطيني؟
وماذا تعني الديمقراطية؟ أنْ ينتخب غير الفلسطينيين ممثلين للشعب الفلسطيني؟
أنْ يفرض على الفلسطينيين ممثلون لهم؟ أنْ يكون تزوير في الانتخابات لكسر إرادة الشعب الفلسطيني؟ أم أنْ نترك الشعب الفلسطيني يعبر عن إرادته بحرية تامة ويتحمل مسؤولية خياراته، وأنْ نترك القوى السياسية المختلفة تشارك في الانتخابات وتتحمل مسؤولية نتائج خياراتها وممارساتها؟
لا أعتقد أن ثمة تفسيراً مغايراً لهذا التوجه· أما أن تمارس الإدارة الأميركية كل أشكال الضغوطات على السلطة الفلسطينية لإجراء انتخابات ولتنشيط الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية في مؤسسات السلطة، وعندما تقدم السلطة على فعل ذلك توجه إليها كل الاتهامات وتمارس عليها كل الضغوطات في محاكمة لنوايا الشعب الفلسطيني قبل أن تجري الانتخابات، وتمارس الضغوطات عليه وتطلق التهديدات ضده إذا ما عبر عن خيار معين لا ينسجم مع إرادة هذه الإدارة، فإن في ذلك انحرافاً أميركياً وإصراراً أميركياً على اعتماد الأساليب والسياسات الخاطئة التي لا يمكن أن تنتج في صفوف العرب والمسلمين إلا النتائج السلبية والمزيد من الكره لهـذه السياسات·
لقد فعلوا سابقاً الشيء ذاته مع القائد الفلسطيني التاريخي الرمز للشعب الفلسطيني ياسر عرفات، عندما أصروا على إجراء انتخابات لمعرفة من يمثل هذا الشعب، ولتأكيد شرعية الفلسطينيين، وعندما شعروا أن عرفات قد يكون الرئيس وجهوا تهديدات مماثلة وقالوا: ''لن تكون مساعدات للشعب الفلسطيني إذا ما انتخب عرفات''! حصلت الانتخابات· فاز عرفات· أكد شرعيته الدستورية الشعبية الديمقراطية· عاقبوه· حاصروه· مارسوا كل الضغوطات عليه· حجبوا عنه المساعدات· افتعلوا المشاكل· فتهاوت سلطته وقويت سلطة الآخرين على الأرض بعد أن غطوا ومحوا كل ممارسات الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين حتى وصلوا إلى مرحلة باتوا يعتبرون فيها أن عرفات ليس شريكاً في الحل وإنما هو العقبة أمامه! وانتهى عرفات· وسقطت خرائط واتفاقات كان قد وقعها مع إسرائيل، وأقامت حكوماتها المتعاقبة الجدران العنصرية الفاصلة، ووسعت المستوطنات، وأقامت مستوطنات جديدة على حساب أراضي الشعب الفلسطيني، واستمرت عمليات الاغتيال الجماعية والفردية لقادة وأبناء هذا الشعب· كنا نقول: هذه السياسة لا يمكن أن تنتج إلا المزيد من الرفض والحقد والتعبئة في صفوف الفلسطينيين، وتجعلهم أكثر تمسكاً بخيارات الانتفاضة والمقاومة لانتزاع حقوقهم· اليوم تمارس الإدارة الأميركية إلى جانب إسرائيل وعدد من الدول الغربية الدور ذاته· فكيف يطلبون الشيء ويمارسون عكسه أو يرفضون نتائجه؟ لقد عبر الشعب الفلسطيني عن خياراته بكل حرية وديمقراطية في أرقى تجربة سياسية نموذجية في ظل أصعب الظروف وأعقدها، فاختار ممثليه الذين سيختارون بدورهم سلطتهم، فلماذا هذا الهيجان وهذا التحريض وهذه التهديدات ضد الانتخابات ونتائجها وخيارات الشعب الفلسطيني؟
لقد أفرزت الانتخابات الفلسطينية حالة جديدة نموذجية في المنطقة العربية عموماً وفي الأراضي الفلسطينية خصوصاً· وستكون ثمة تحديات كبيرة أمام حركة ''حماس'' في ممارستها للسلطة· فلنحترم خيارات الشعب الفلسطيني وليحاسب هذا الشعب ''حماس'' على سياساتها ومشاريعها وأساليبها في ممارسة السلطة· أما أن تأتي الإدارة الأميركية ومعها بعض الدول الغربية والأوروبية بالتهديد والوعيد بقطع المساعدات أي بتجويع الشعب الفلسطيني إذا ما شكلت ''حماس'' الحكومة، وأن تمارس الضغوطات على رئيس السلطة الفلسطينية إذا ما سمح بذلك، فإن في الأمر محاولة لتدمير إرادة الشعب الفلسطيني، وحريته وديمقراطيته وحيويته، وخياراته ومؤسساته الدستورية وغير الدستورية· وبالتالي في ذلك خطر كبير سيعرف الشعب الفلسطيني كيف يرده ويتصدى له، ولكن لن يكون ذلك إلا بالتمسك بـ''حماس'' والانحياز لها والقوى الأكثر تطرفاً منهـــــا إذا ما اعتبرت حركة متطرفــــــة·
وينبغي في هذا المجال تسجيل أمرين أساسيين: الأول شجاعة الرئيس الفلسطيني وإصراره على إجراء الانتخابات واحترام إرادة شعبه وحرصه على ضمان نزاهة وديمقراطية العملية الانتخابية·
والثاني حكمة قيادة ''حماس'' ورزانة وعقلانية التصريحات التي صدرت عن مختلف المسؤولين فيها والتي عبرت ع