ارتبطت عاصمة الدانمرك ''كوبنهاجن'' بمجموعة من المثقفين العرب والإسرائيليين، أصدرت بيانا باسمها بغرض تسوية سلمية للقضية الفلسطينية والتطبيع مع الكيان الصهيوني دون التزام واضح بالحد الأدنى للتسوية: الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، وعودة اللاجئين، وإزالة المستوطنات، والسيطرة على مصادر المياه· وخشي المثقفون العرب من التنازل عما لا يملكون، وأن مبادراتهم فيها عطاء أكثر مما فيها أخذ، وأنهم لا يمثلون الجماهير العربية ولا مطالبهم الوطنية· فخجل بعضهم، ومات البيان·
كما ارتبطت أسماء عواصم أوروبية أخرى بنفس الموضوع، القضية الفلسطينية، مثل مدريد واتفاقياتها القائمة على مبدأ الأرض في مقابل السلام، وأوسلو واتفاقياتها التي منها انبثقت السلطة الوطنية الفلسطينية دون قيام الدولة في الموعد المحدد وحتى الآن·
وارتبطت أسماء بعض العواصم العربية بالقضية الفلسطينية· وكان تحويل إسرائيل لمجرى نهر الليطاني في جنوب لبنان هو الدافع إلى عقد مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة في الستينيات· كما ارتبط اسم القاهرة باتفاقيات تنظيم العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والدولة اللبنانية، ثم بتفاهمات القاهرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية· كما ارتبط مؤتمر القمة العربية في الخرطوم في 1967 أعقاب الهزيمة باللاءات العربية الثلاث الشهيرة، لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضة مع العدو الصهيوني· وارتبط اسم الدار البيضاء بالقمة العربية التي جعلت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني· وارتبطت القمة العربية في بيروت بالمبادرة العربية، الانسحاب الكامل في مقابل السلام الكامل، استئنافا لمبدأ الأرض في مقابل السلام· وارتبطت مدينة الطائف باتفاقية إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية·
كما ارتبطت أسماء بعض العواصم العربية بلحظات فارقة في تاريخها مثل مؤتمر القاهرة في 1990 لتشريع التدخل الدولي لإخراج العراق من الكويت، بفارق صوتين· وارتبط اسم تونس بمؤتمر القمة المؤجل للخلاف على جدول الأعمال الداخلي أو الخارجي· كما ارتبط اسم بغداد من قبل بحلــــف بغــــداد الشهير في ·1954 وارتبـــط اســـم الرياض بالحلف الإسلامــي بين الرياض وطهران وكراتشي في 1965 لمحاصـــرة القومية العربية ومضمونها الاشتراكي ·
قفز اسم ''كوبنهاجن'' من جديد إلى الأذهان بسبب الرسوم الساخرة التي نشرتها إحدى الصحف الدانمركية لقياس مدى حرية التعبير كما يقال في الظاهر، والقصد الحقيقي إظهار مدى سيادة المحافظة في العالم الإسلامي إذا ما ظهرت ردود أفعال سلبية استئنافا لقضايا سلمان رشدي البريطاني الهندي، ونصره تسرين من بنجلادش، وربما أيضا نصر حامد أبو زيد من مصر عن اضطهاد المفكرين والكتاب في أوطانهم وبالتالي غياب حرية التعبير· فيكسب الغرب نقطة على حساب المسلمين في حرية التعبير· والسؤال هو: لماذا التجربة على الحضارات الأخرى مثل الحضارة الإسلامية والشواهد كثيرة في الحضارتين المسيحية واليهودية؟ فعندما صدر فيلم ''يسوع المسيح نجم كبير'' قامت المظاهرات في إيطاليا وفي كثير من العواصم الأوروبية ضد الفيلم وتصوير المسيح في علاقة حب مع مريم المجدلية· وعندما بدأ بعض المفكرين والباحثين الأوروبيين في التشكيك في الأرقام التي يعلنها الكيان الصهيوني عن المحرقة التي قام بها النازيون في ألمانيا خاصة، الخمسة ملايين، لابتزاز أوروبا من أجل التعويضات وشرعية الهجرة ليهود العالم، أربعة عشر مليونا، إلى إسرائيل، من الشتات إلى حق العــودة، وضــم الأراضي المحتلة وإقامة المستوطنات وتوسيعها لاستيعاب الهجرة، طالب الغرب بمحاكمتهم وإدانتهم بمعاداة السامية بالسجن والغرامة· وعندما تجرأ رئيس إيران بالتعبير عما يكنه تجاه الكيان الصهيوني، وما تربى عليه كثيرون في المنطقة على مدى جيلين من الزمان قبل مفاوضات السلام ومعاهدات الصلح والاعتراف به من مصر والأردن وموريتانيا، وطالب الإسرائيليين بالعودة من حيث أتوا، فلماذا يتحمل الفلسطينيون وزر ما اقترفه الأوروبيون، ثارت ثائرة الغرب واتهموه أيضا بالتطرف والتعصب والصبيانية واللاواقعية ومعاداة السامية وطالبوا بمعاقبته بالطرد من الأمم المتحدة لخرق ميثاقها الخاص باحترام استقلال الدول، مع أن ما تفوه به الرئيس الإيراني بالكلام قامت به الولايات المتحدة بالفعل في العراق وأفغانستان، وقامت به إسرائيل في فلسطين، وقامت به روسيا في الشيشان، والهند في كشمير· وبعد أن نجحت ''حماس'' في الانتخابات التشريعية في أكثر الانتخابات ديمقراطية في العالم دون تزوير أو غلبة، وهو ما شهد به الأعداء قبل الأصدقاء غربا وشرقا، رفض الغرب نتائجها ولم يعترف بشرعية المنتخبين· وهددها بقطع المعونات عن الشعب الفلسطيني وعدم الاعتراف بها كممثل للشعب الفلسطيني إلا بعد الاستسلام لشروط إسرائيل دون مطالبة إسرائيـــل بالمقابل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، وحق اللاجئين في العودة، تنفيذا للقرارات الدولية·
وهكذ كان طبيعياً أن نرى الع