الملاحظ أن جميع الوزارات الاتحادية تضم إدارات تُعنى بشؤون التخطيط، إلا أن الملاحظ في الوقت نفسه غياب التخطيط في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الدولة، فهناك قطاعات تعاني معضلات مزمنة مردّها الأساسي غياب التخطيط· فعلى مستوى الاقتصاد القومي، فإن محصلة مسيرة التنمية خلال العقود الثلاثة الماضية تضمنت قدرا هائلا من الإنجازات في جميع المجالات، إلا أنها وفي ظل غياب التخطيط، أفرزت أيضا عددا من التحديات التي تتطلب مواجهة صريحة، فالاقتصاد الوطني يحتاج إلى مزيد من التوازن القطاعي، حيث ما زالت قطاعات محددة دون غيرها تمثل المحرك الأساسي لعجلة التنمية، وما زالت المنشآت الاقتصادية الصغيرة والمتشابهة في جميع إمارات الدولة تهيمن على القطاع الخاص، الذي يعاني بدوره هيمنة الوافدين في كل جوانبه الإدارية والإنتاجية، بل إن أغلب منشآت هذا القطاع بوضعها الحالي لا تضيف أي قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني، وعلى العكس من ذلك فهي تعتبر عبئا ثقيلا عليه من خلال ما تفرزه من انعكاسات سلبية اجتماعيا وأمنيا·
وفي ظل غياب واضح للتخطيط في أهم محاور التنمية، ركزت سياسة التعليم وبشكل رئيسي على الجانب الكمي، طيلة العقود الثلاثة الماضية، وحققت هذه السياسة إنجازات مهمة تظهر جلياً من خلال نظرة سريعة للإحصائيات المنشورة عن التعليم، وفي المقابل لم يحظَ مضمون التعليم ونوعية مخرجاته بجميع مراحله بدءاً من التعليم الأساسي وانتهاء بالتعليم الجامعي بالاهتمام ذاته، مما أوجد فجوة واسعة بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل· وإذا كانت هذه النتيجة الحتمية لغياب الخطط التعليمية الشاملة يتخذها الكثيرون مبررا لفشل سياسات التوطين، إلا أن هذا التحليل فيه جانب واحد فقط من الحقيقة، إذ أن تخطيط سوق العمل بكلياته وتخطيط المشروعات التنموية في القطاعين العام والخاص ونوعية فرص العمل المستقبلية التي تتيحها هذه المشروعات، تمثل جميعها محاور مهمة للتخطيط لا غنى عنها لإنجاح أي سياسات مستقبلية تتعلق بمعالجة اختلالات سوق العمل·
وفي ظل غياب التخطيط بمفهومه الشامل، خاصة التخطيط الحضري، الذي يواكب الطفرة التنموية والعمرانية التي تشهدها الدولة على الأصعدة كافة برزت تطورات غير متناسقة ما بين العديد من المعايير، ما أدى إلى إفرازات سلبية عديدة، منها الضغوط التي تشهدها المرافق والبنى التحتية والازدحام المروري الذي تشهده طرقات المدن الرئيسية في الدولة اليوم، وندرة مواقف السيارات التي باتت مشكلة حقيقية، إضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور، التي باتت تشكل 15% من إجمالي الوفيات في دولة الإمارات، إلا أن الخطورة لا تكمن فقط في هذه النسبة المجردة، بل إن أغلب الذين يلقون حتفهم في هذه الحوادث هم من المواطنين في مستهل الفئة الشبابية القادرة على العطاء والإنتاج والمساهمة في حركة البناء والتنمية في المجتمع، التي تتراوح أعمارها بين 18 و30 عاما· وجميع هذه القضايا ما هي إلا نماذج محدودة للعديد من السلبيات الاقتصادية والاجتماعية كان يمكن تجاوزها من خلال التخطيط الشامل الذي يعالج كل المتغيرات المتعلقة بأي مشروع قبل تنفيذه·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr