أصبح من الواضح الآن أن استراتيجية الغرب إزاء الإسلام، والتي أعلن عنها صراحة قادة غربيون عديدون مثل: الرئيس الفرنسي الأسبق الجنرال شارل ديغول عندما حذر من أن المستقبل للإسلام، والرئيس الأميركي الأسبق أيضا ريتشارد نيكسون حين اعتبر الإسلام بمثابة العدو القادم، ودان كويل نائب الرئيس الأميركي الأسبق والذي قال: تخلصنا من خطر النازية والشيوعية وبقي الإسلام، والرئيس الأميركي الحالي جورج بوش حينما تحدث (وإن سهواً كما قيل) عن ''حرب صليبية جديدة''، وقبله رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر التي قالت: ''إذ سقط العدو السوفييتي فإن عدواً آخر يحل مكانه''، وكذلك رئيس وزراء إيطاليا برلسكوني الذي قلل من شأن الحضارة الإسلامية، ولم تكن ملكة الدانمارك مارغريت الثانية هي الأخيرة حين أعلنت ''أن الإسلام يمثل تهديداً على المستويين المحلي والعالمي''!
ولعل هذه الاستراتيجية تتحرك الآن وفق مخطط منهجي مدروس، خاصة بعد أن تحولت أفكارها إلى نظريات وفلسفات وقرارات ومؤتمرات وكتابات وأبحاث ومناهج دراسية وندوات في الدوائر المتخصصة والمراكز الاستراتيجية وفي منابر الإعلام ومراكز القرار السياسي والاقتصادي، كما أصبح يجري تقديم الإسلام على أنه الخطر القادم على الغرب! وما حدث من إساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الدانمارك قبل عدة أسابيع، يمكن اعتباره جزءا من تلك الاستراتيجية الكبرى إزاء الإسلام والمسلمين، وهي استراتيجية تتوجه إلى محاصرة الآخر غير الغربي من خلال كل الوسائل المادية والإعلامية والمخابراتية، كما يدعمها أيضاء أعداء الإسلام في الداخل ممن ينتمون إلى الدين بالبطاقة ويخالفون روحه بتصرفاتهم الشائنة!
السؤال المهم هنا هو: لماذا هذه الاستراتيجية إزاء الآخر المغاير؟ وما هي أسبابها؟ وكيف تكون؟ وما العوامل التي تغذيها لتجعل منها منهجاً مليئاً بالتجاوزات الصارخة؟
الإجابة، حسب رأيي، تكمن في ثلاثة أمور أساسية:
الأول: ما أشارت إليه الكاتبة البريطانية كارين آرمسترونج في كتابها الشهير ''محمد''، من أن النظرة العدائية ضد الإسلام تعود إلى عهد الحروب الصليبية وما أشعلته من صراع حاد بين الشرق والغرب، الأمر الذي خلق شعورا لدى أوروبا المسيحية بأن الإسلام يهدد حضارتها وكيانها وهويتها الثقافية، وقد اشتد ذلك الشعور مع بداية تكوّن المنظومة القيمية للغرب الحديث والتي تشكلت في عصر النهضة·
الثاني: ما أشار إليه روبرت نيومان السفير الأميركي السابق لدى عدة دول عربية، وهو جهل الغرب بالإسلام، أي الجهل الذي استغلته الدعاية الصهيونية كي تصور الإسلام على أنه العدو القادم الذي يجب الحذر منه·
ثالثاً: ما أشار إليه الدكتور عبدالرحمن العمودي من أن هناك ثلاث جهات تلعب دوراً مؤثراً في تغذية ذلك العداء، هي: المنظمات اليهودية الأميركية، والمؤسسات المسيحية المتطرفة، وما يسمى بـ''الكنيسة السوداء''·
وقد ساعدت عناصر أخرى مهمة أشار إليها بعض المختصين في مضاعفة ''فوبيا الإسلام''، أهمها: الأصولية المسيحية والكتب الدراسية، والإعلام، ومراكز الأبحاث·
إن ملف التشويه الذي فجرته صحيفة ''بولانس بوستن'' الدانماركية ليس الأول من نوعه· لكن من الخطأ الكبير أن يظن البعض بأن الإساءة إلى المقدسات والمعتقدات الدينية الإسلامية، على نحو ما تمارسه عدد من وسائل الإعلام الغربية في الوقت الحالي، هو نوع من حرية التعبير، كما تدعي بعض حكومات معينة، أو أنه لون من النقد العلمي المباح! إنه في حقيقة الأمر تجاوز لا يخلو من استهداف واضح· وقد تم توظيف وسائل لتبرير ذلك التجاوز والدفاع عنه وخدمته! فلحساب من كل ذلك يا ترى؟