لم يتعود العالم الثالث على الانقلاب عن طريق صناديق الاقتراع لأنه كان مبتلى بأزيز الرصاص وأصوات جنازير الدبابات التي تحسم النتائج ، أما دخول الآخر على هذا الخط الساخن أو الأحمر القاني، فإن مصيره محتوم سلفا، عندما يرمى بجثته بعيدا عن الكرامة الإنسانية للأموات، فتجربة ''حماس'' مضت عكس السير في العالم الثالث وهي تشق طريقها في أسخن بقعة على وجه الأرض وستبقى كذلك بحكم قدرها الجغرافي والتاريخي·
قد تجرى انتخابات صورية في دول بعينها وتحسم النتائج لصالح الحزب الحاكم ومع ذلك تدخل تلك الدول في دوامة من العنف والصراع حول أمر لا يستحق هذا العنت منذ البداية خاصة أن بعض صناديق الاحتياط تكون مليئة بالنتائج التي تبصم بأكثر من 90% قبل الإعلان الرسمي عن فوز الديمقراطية المزورة·
إننا لن نستبق النتائج حتى لا نرجم بالغيب ولكن الكلمة الفاصلة بالنسبة لـ''حماس'' ستكون في اختبار واحد ألا وهو ممارسة السياسة الدولية مع ظروف الصراع، طبعا إسرائيل في المقدمة والآخرون في العالم الأول والثالث كذلك يملكون خطوط الضغط العالي والمنخفض، كلا حسب بوصلة المصالح التي تجنى من خلال التقرب إلى والبعد عن مناطق التماس في معادلة دمقرطة الشرق الأوسط·
مارست ''حماس'' المقاومة المسلحة والهدنة لفترات عانت فيها الساحة الفلسطينية من توترات داخلية بين الفصائل مع الطرف الإسرائيلي، إلا أنها لم تمارس السياسة بمفهومها المعاصر من خلال جهاز تشريعي يراد من خلاله إقامة دولة فلسطينية مقابل دولة إسرائيل، ولقد جربت ''حماس'' الانقلاب بالانتخاب وقيدت حركتها بممارسة السياسة من موقع الحكم وليس المقاومة وهو السلاح الجديد الذي سيستخدم في الأيام المقبلة، أما سلاح المقاومة السابق فإنه قيد المساومة في الأروقة الدولية وشرط ملزم لإلغائه من أجل إرضاء المجتمع الدولي عن أدائها السياسي·
وبعيدا عن لغة العقاب والحساب التي تصدرت بعض أدبيات تحليل ما حدث في الانتخابات، فإننا نرى بأن إخفاقات طرف ما تؤدي إلى فوز الآخر إذا أحسن استخدام ذلك لصالحه وإلقاء اللوم وتراشق الكلمات الصخرية لا يجدي بعد أن شهد العالم المتحضر بأن ما حدث في فلسطين هو مفاجأة ديمقراطية قل ما تحدث في العوالم الأخرى والتي تتميز بدرجات عالية من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، أما مع انعدام كل ذلك في هذه البؤرة البركانية فهي زلزال آمن لقضية تدور حولها صراعات الحدود والوجود منذ قرون·
ونقطة مهمة تلام عليها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية صاحبة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير ألا وهي استخدام لغة التهديد والوعيد بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني ومعاقبته على اختياره الحر وهو أمر مستغرب، لأن الغرب وأنصاره لم يساعد ''حماس'' في يوم ما، بل قام بتحريض العالم أجمع على ''حماس'' لأنها مصنفة في خانة الإرهاب الذي لم يصل أحد إلى معنى واضح يمكن التعامل معه دولياً فكل ما نراه هو اجتهاد دول وسياسات آنية تتخذ بعيدة عن الحقائق العلمية والمبادئ العالمية·
إن موقف الغرب لا يمكن أن يصب في صالح الديمقراطية التي يراد لها أن تؤطر، هذا بدل أن تزداد الدول الغربية سخاء وتكافئ الشعب الفلسطيني ولا نقول ''حماس'' على هذا الفوز الذي يصب في صالح مبدأ الديمقراطية التي يمكن أن يحل من خلالها الكثير من مشاكل الإرهاب في العالم، لأن صناديق الانتخاب النزيهة هي الطاردة للعناصر الإرهابية إذا ما حاولت الاقتراب منها، فالإرهاب لا يستطيع أن يعشعش في جو يمكن للحرية أن تتنفس فيه بدون قيود مصطنعة·