وضع فوز حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الجميع على عتبة مرحلة جديدة من العمل السياسي والتطورات· لقد كان انتصار ''حماس'' ساحقا إذ فازت -كما هو معلوم- بنحو (76) مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي، في حين لم تحصل حركة ''فتح'' التي قادت العمل السياسي الفلسطيني طيلة عقود طويلة إلا على 43 مقعداً· وبذلك، ضمنت ''حماس'' أغلبية مريحة في المجلس التشريعي الفلسطيني تجعلها قادرة على تشكيل الحكومة الفلسطينية المقبلة بمفردها· لقد كانت الانتخابات شفافة ونزيهة، وقد شهدت بذلك جميع العواصم الأجنبية والعربية وهي تكاد تكون الانتخابات الأكثر نزاهة في العالم العربي، ودليلا على أن الديمقراطية الفلسطينية الوليدة قد ترسخت وأصبحت واقعا معيشا، وأن تداول السلطة (الذي كان أمل الشعوب المبتلاة بحكام وأحزاب مستبدة) في طريقه للانتشار· لقد كانت النتائج الإيجابية مؤشرا على أن الشعب الفلسطيني قد اختار تغيير الوضع الراهن الذي شابه فساد وفوضى وجمود في عملية السلام· وكما عبر عن ذلك قادة ''فتح'' أنفسهم، لقد ''عاقب الشعب الفلسطيني حزب السلطة وقياداته'' وهو مؤشر على أن الشعب مع التغيير لأن جميع محاولات الإصلاح الجذري لحل هذه المشكلة قد باءت بالفشل· فاتفاقات أوسلو لم تدخل أي تحسن جوهري على أوضاع الشعب، إذ يسير الوضع الاقتصادي من سيئ إلى أسوأ، والحواجز تضاعفت، والبطالة في أعلى مستوياتها، إضافة إلى انتشار الفقر وما هو أخطر منه، أي انتشار المستوطنات التي سلبت الأرض وقطّعت أوصال ما بقي منها· لقد أجهضت إسرائيل، ومعها دعم الإدارات الأميركية المتعاقبة، جميع أشكال الحل السلمي لهذه القضية وضاعت جميع الفرص المتاحة·
استفادت ''حماس''، ببراعة شديدة، من الأوضاع المتأزمة ومن ترهل حزب السلطة والتآكل الذي أصاب قيادته بسبب الفشل في تحقيق أي تقدم وشيوع الفساد، وانسداد الأفق، والفلتان الأمني··· إلخ· أضف إلى ذلك أن مئات الشهداء الذين قدمتهم ''حماس'' في الانتفاضة الثانية (طبعا دون الانتقاص مما قدمته ''فتح'' وغيرها)، والعمل اليومي اللصيق بالناس في شبكة الخدمات الاجتماعية والصحية، بالإضافة إلى مشاعر العداء المتنامية ضد الولايات المتحدة بعد احتلال العراق، والضغوط الأميركية والإسرائيلية على السلطة لتقديم مزيد من التنازلات بدون أن يقدم الجانب الآخر أي تنازل جوهري، ونجاح ''حماس'' في استقطاب تأييد سياسي كبير وأموال مهولة من مصادر داخلية وخارجية، كل هذه العوامل (وغيرها) ساعدت ''حماس'' على تحقيق هذا الإنجاز التاريخي· ومع أن انتصار ''حماس'' يعني الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى، فإن آثاره ونتائجه ''ستصيب'' الجميع· فهو يعني الإسرائيليين في أمنهم وحدود دولتهم، ويعني مصر التي أنهت انتخاباتها الأخيرة بدلالات لا تخفى على المراقب· كذلك، فهو يعني سوريا وإيران المتهمتان باحتضان ''حماس'' و''الإرهاب''، والمهددتان بالحصار والمقاطعة· وفي جميع الأحوال، لا يزال من المبكر التكهن بحجم تداعيات هذا الانتصار في العالم العربي والإسلامي· كذلك، فإن قرار ''حماس'' دخول اللعبة السياسية سيعني حتما إدخال تغييرات (قد تكون جذرية) على موقفها من عملية السلام· لقد وضع الانتصار ''حماس'' أمام واقع جديد! كذلك، وضع انتصار ''حماس'' العالم أمام واقع جديد! ومثلما أنه سيكون على العالم التعامل مع هذا الواقع المفاجئ، سيكون على ''حماس'' أيضا أن تقرر كيف ستتعامل معه· فهل ستقبل ''حماس'' التفاوض، وكيف؟ وماذا عن الاعتراف بـ''حق'' إسرائيل في الوجود (وهو شرط إسرائيلي ودولي لقبول ''حماس'')؟ وماذا عن ''أوسلو'' والالتزامات الواردة فيه؟ وماذا عن الأمن والرواتب والبطالة والتعددية وحق الاختلاف؟ وكيف سيؤثر انتصار ''حماس'' على نتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة؟ حقاً، لقد أدخل فوز ''حماس'' إسرائيل في ''حالة طوارئ'' سياسية! وتجلت الصدمة والارتباك لدى القائم بأعمال رئيس الحكومة إيهود أولمرت الذي أصدر تعليماته إلى وزرائه وقادة الأجهزة الأمنية بعدم النطق بشيء قبل جلسة المشاورات العاجلة، بينما راح أقطاب اليمين يهاجمون خطة فك الارتباط وعدم قيام أولمرت بمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية بسبب مشاركة الحركة الإسلامية فيها· كما لم يتردد خبراء ومحللون إسرائيليون في تقريع شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية على خلفية ما وصفوه بعجزها عن توقع النتائج· كذلك، أعلن زعيم حزب ''العمل'' عمير بيريتس الذي عقد اجتماعاً طارئاً بحضور أركان حزبه أن حزبه ''لا يعتزم قط التفاوض مع منظمة تبغي القضاء على إسرائيل، لن نفاوض منظمة إرهابية· ووفقا لبرنامجها فإنها تزعزع استقرار المنطقة''! ورأى زعيم حزب ''ياحد'' اليساري يوسي بيلين أن انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، بدون التنسيق مع السلطة، أضعف الأخيرة وعزز قوة ''حماس''· أيضا، شن أقطاب اليمين المتشدد هجوما على سياسة الحكومة الإسرائيلية وأصدر حزب ''الليكود'' بيانا اعتبر فيه أن فوز ''حماس'' هو ''