شكلت ''الديمقراطية في الشرق الأوسط'' موضوع مؤتمر دولي نظمته، خلال الآونة الأخيرة، جامعة ''تافتس'' في ولاية ماساتشويتس الأميركية، وشاركت فيه ثلة من الخبراء الأميركيين والعرب المتخصصين في قضايا الشرق الأوسط، والذين جاءوا لتقديم تحليلاتهم وآرائهم حول الوضع الراهن في هذه المنطقة من العالم· وفي اليوم الذي افتتح فيه المؤتمر الذي استمرت فعالياته على مدى يومين، بدأت أولى التقارير الإخبارية القادمة من المنطقة في الوصول، والتي تفيد بفوز حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية· وعلى غرار الجميع، أصيب الخبراء المجتمعون بالدهشة بالنظر إلى عدد الأصوات التي حصلت عليها حركة ''حماس''، ولكن سرعان ما تجاوز المشاركون الصدمة وخاضوا في مناقشة اتسمت بالحدة حول تداعيات هذا الفوز بالنسبة للشرق الأوسط والولايات المتحدة·
فكيف فسر الخبراء المشاركون في المؤتمر الفوز الكاسح الذي ظفرت به حركة ''حماس''؟ ولماذا فضل الناخبون الفلسطينيون حزباً إسلامياً على زعماء حركة ''فتح''، الذين يحملون إرث الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ويحظون بامتياز إدارة السلطة الفلسطينية؟ أثناء المناقشة، أشار الخبراء إلى أن الكثير ممن صوتوا لصالح حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' كانوا من الفلسطينيين المسيحيين أو العلمانيين الذين لا يؤيدون الحركة على أساس ديني، وبالتالي لا يمكن النظر إلى فوز الحركة بأغلبية مقاعد البرلمان على أنه تأييد لرسالتها الدينية· بل إن السبب الرئيسي، كما يرى عدد من الخبراء المشاركين، يكمن في أن العديد من الفلسطينيين إنما عبروا عن امتعاضهم واستيائهم إزاء ضعف أداء الحكومة الفلسطينية المنتهية ولايتها التي تتزعمها ''فتح'' ومظاهر الفساد الذي ينخر أجهزتها، ذلك أنها فشلت في توفير الأمن وتلبية حاجيات الشعب الأساسية، كما فشلت في إحراز تقدم على طريق وضع حد للنزاع مع إسرائيل· وبعبارة أخرى، فقد كان الأمر تصويتاً احتجاجياً على حكومة ضعيفة·
لقد عكس التشديد على ذلك الاحتجاج درجة اليأس الذي يشعر به الفلسطينيون إزاء وضع العلاقات مع إسرائيل، فالكثير من الفلسطينيين يواجهون يومياً ما لا يحصى ولا يعد من المصاعب والعراقيل أثناء تنقلهم داخل الأراضي المحتلة بسبب الحواجز الإسرائيلية وسد الطرقات ونقاط تفتيش الهوية وغيرها من الإجراءات التي تتخذها إسرائيل· وعلاوة على ذلك، شاهد الفلسطينيون الحكومة الإسرائيلية ''الليكود'' تبني الجدار العازل الذي قضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وفصل المزارعين الفلسطينيين عن أراضيهم، وهو الجدار الذي لا يتسبب في صعوبات بالنسبة للفلسطينيين الذين يسكنون بجواره فحسب، وإنما يبعث مؤشرا كذلك على أن إسرائيل غير جادة في التوصل إلى حل سلمي للنزاع· بل إن الانسحاب الإسرائيلي من غزة لم يلق هو الآخر الترحيب من قبل الفلسطينيين الذين ينظرون إليه بقدر غير قليل من الريبة والتوجس، خشية أن يكون بديلاً للانسحاب من الضفة الغربية، عوض أن يكون مقدمة له·
وبناءً على ما تقدم، ذهب الفلسطينيون في الخامس والعشرين من يناير الماضي إلى مراكز الاقتراع، وصوتوا بسحب الثقة من القيادة الفلسطينية الحالية، مفضلين منح فرصة لحركة ''حماس'' وتجريب التغيير، بيد أن هذا الاختيار تسبب في مشاكل وتحديات جديدة لجميع الأطراف المعنية بالنزاع·
فبالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية ''حماس''، منحها هذا الفوز فرصة لتولي زمام الحكم لم تتوقعها وربما لم تستعد لها بالقدر الكافي· ومما لاشك فيه أن الحركة قد أبلت بلاء حسناً، عندما كانت في صفوف المعارضة وبرعت في تنظيم المظاهرات الشعبية وإلقاء الخطب النارية وتوعية الشعب بقضيته· أما الآن فينبغي عليها أن تتخذ قرارات صعبة، ذلك أن ميثاق الحركة يدعو إلى القضاء على إسرائيل، وهي سياسة مرفوضة ليس إسرائيلياً فحسب، ولكن من قبل كل الدول الغربية ومعظم المجتمع الدولي· وتتمثل الخيارات الصعبة التي تواجه حركة ''حماس'' في أن فلسطين تعتمد اقتصادياً بشكل كبير على إسرائيل والغرب فيما يخص التجارة والمساعدات المالية· ونتيجة لذلك، ففي حال تسلمت حركة ''حماس'' الحكم دونما العدول عن دعوتها بالقضاء على إسرائيل، فذلك سيؤدي إلى فقدانها لتلك المساعدات المالية الخارجية وربما انهيارها اقتصادياً، اللهم إلا إذا تم إيجاد مصدر جديد كاف للمساعدات الخارجية· ولئن كان زعماء ''حماس'' يقولون إنهم لا يعتزمون تعديل ميثاق الحركة، فإنه من غير الواضح حتى الآن، كيف سيديرون شؤون البلاد من دون تعديله·
لقد توقع بعض الخبراء المشاركين في المؤتمر أن وجود حركة ''حماس'' على رأس الحكومة الفلسطينية المقبلة لن يستمر طويلاً ما لم تعمل على تغيير سياساتها وتثبت أنها أفضل من حركة ''فتح'' فيما يخص تحقيق الأمن والرخاء للشعب الفلسطيني· في حين أوضح آخرون أنه عندما تصل الأحزاب الراديكالية إلى الحكم لأول مرة، فعادة ما تقوم بتغيير سلوكها لأنها تسعى إلى كسب رضا من صوت عليها·
أما بالنسبة